تفسيري

هل تنتهي فعالية اللقاح المضاد لمرض الجدري تماما بمرور الزمن؟

تفسيري

هل تنتهي فعالية اللقاح المضاد لمرض الجدري تماما بمرور الزمن؟

بدأت نهاية كابوس الجدري في العالم تلوح في عام 1796، حين استطاع الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر التوصل لأول لقاح مضاد للجدري بعد أن كان هذا المرض سابقا يتسبب في موت 20% من المرضى في حين يعيش الـ 80% الباقون بتشوهات أو اعاقات  تصل حتى إلى فقدان البصر.. وبحلول أربعينيات القرن الماضي، اختفى الجدري من أوروبا وأمريكا الشمالية. وبدأت منظمة الصحة العالمية سنة 1967، في تنظيم حملة تلقيح موسعة للقضاء عليه لتسجّل آخر إصابة بالجدري في الصومال في عام 1977.

 ظهرت مؤخرا منذ 7 ماي 2022، في القارة الأوروبية والامريكية العديد من الاصابات بمرض جدري القرود حيث بلغت يوم 29  ماي 2022 عدد الحالات في العالم 435 موزعة على 24 دولة وعاد الحديث عن فاعلية اللقاح المضاد للجدري (smallpox)   في مقاومة مرض جدري القرود (Monkeypox) وتزامن مع هذا انتشار العديد من التساؤلات في علاقة باللقاح ومن بينها مدى فعاليته بمرور الزمن وما إذا كان الأشخاص الذين تلقوا اللقاح المضاد للجدري سابقا محميون اليوم من جدري القرود. قامت "تونس تتحرى" بجمع ما تسنى من معلومات حتى الآن في علاقة بهذا الموضوع.

اتصلت وحدة التحري أوّلا بمدير معهد باستور الهاشمي الوزير الذي أكد لنا أنّ أنّ آخر جرعة ضد الجدري أعطيت في تونس سنة 1979 ، وأنّ فعاليّة هذا اللقاح لا تنتهي بمرور الزمن لأنه من اللقاحات الحية.

ويعتبر لقاح الجدري من اللقاحات الحية الذي يستخدم فيه الشكل الضعيف الموهن للفيروس ويتم إضعاف الفيروس أو الجراثيم المسببة للمرض ضمن الشروط المخبرية فيكون بذلك الكائن الدقيق الذي يتم الحصول عليه قادرا على التكاثر وتوليد استجابة مناعية وبالتالي اضعاف الخصائص المسببة للأمراض.  ويشبه لقاح الجدري في طريقة عمله في الجسم  لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية.

وتقول منظمة الصحة العالمية أنّ بعض اللقاحات تتطلب جرعات متعددة، تُعطى بفترة زمنية فاصلة قدرها أسابيع أو أشهر. وفي بعض الأحيان، يعد ذلك ضروريا لإتاحة إنتاج أجسام مضادة طويلة المدى وتكوين خلايا الذاكرة. وعلى هذا النحو، يُدرَّب الجسم على مكافحة الفيروس المسبّب للمرض من خلال تكوين ذاكرة خاصة بالعامل الممرض بهدف مكافحته بسرعة في حال التعرّض له مستقبلاً.

وتعطي اللقاحات حسب تعريفات المؤسسات والمنظمات العالمية على غرار منظمة يونيسيف عادةً أثناء الطفولة لحماية الأطفال من أمراض خطيرة وأحياناً فتاكة.

ويوفر التطعيم ضد الجدري حسب ادارة الصحة بمدينة نيويورك الأمريكية مناعة كاملة لمدة تتراوح من 3 إلى 5 سنوات وتقل المناعة بعد ذلك تدريجيا.  إذا تم تطعيم الشخص مرة أخرى لاحقًا ، فإن المناعة تستمر لفترة أطول وتضيف ادارة الصحة في بحث أجرته في شهر أفريل 2003 أنه "تاريخياً ، كان اللقاح فعالاً في الوقاية من الإصابة بالجدري في 95% ممن تم تطعيمهم. بالإضافة إلى ذلك ، ثبت أن اللقاح يمنع أو يقلل بشكل كبير العدوى عند إعطائه في غضون أيام قليلة بعد التعرض للفيروس.و من المهم أن نلاحظ ، مع ذلك ، أنه في الوقت الذي تم فيه استخدام لقاح الجدري للقضاء على المرض ، لم يكن الاختبار متقدمًا أو دقيقًا كما هو الحال اليوم ، لذلك قد لا تزال هناك أشياء يجب معرفتها حول اللقاح وفعاليته و مدة الحماية"


جاء في مقال نشره الموقع الالكتروني لقناة BFM TV الفرنسية أنّ منظمة الصحة العالمية تحدثت عن فعالية بنسبة 85% للتطعيم ضد الجدري للوقاية من جدري القرود. كما أضافت وكالة الصحة العامة للأمم المتحدة أنه "من المحتمل أن يؤدي تاريخ تطعيم ضد الجدري إلى مسار أكثر اعتدالًا للمرض" وقد شاركها الرأي في ذلك الدكتور جان دانيال ليليفر ، رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى هنري موندور في كريتيل في فرنسا الذي قال لموقع Le Parisien الفرنسي  "إذا تم إدراك أن أولئك الذين تم تطعيمهم منذ عدة عقود لم يعد لديهم أجسام مضادة اليوم ، فإنهم قادرون على إنتاجها بسرعة كبيرة ، في غضون أيام قليلة ، وبجودة عالية جدًا

في حين تقول الدكتورة إنديا ليكليرك  من معهد باستور الفرنسي حسب ذات المقال أن بيانات منظمة الصحة العالمية تستند في تقييمها لفاعلية اللقاح إلى دراسات قديمة. ووفقًا لدراسات وبائية حديثة ، يبدو أن هذه الفعالية تقل بين 60% إلى 80%.


وفي سياق آخر قمنا بالاطلاع على نتائج دراسة أجراها المركز الأمريكي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية وهو جزء من مكتبة الولايات المتحدة الأمريكية للطب، حيث قام المركز بفحص حجم ومدة المناعة التي توفرها مضادات فيروسات، التي يمنحها التطعيم ضد الجدري للجسم، في 246 مشاركًا. حيث تم تطعيم 209 أشخاص مرة واحدة أو أكثر في فترة ممتدة من 13 إلى 88 عامًا قبل هذا التقييم. وتم إضافة 8 أشخاص ممن تعرضوا لعدوى الجدري في مرحلة الطفولة و 29 شخصًا ليس لديهم تاريخ مع العدوى أو التطعيم. وتم تقييم الأجسام المضادة في كل مجموعة من الأشخاص المشاركين بمرور الوقت.

وأفضت النتائج إلى أن المشاركين الذين تم تلقيحهم  بجرعة على الأقل وُجد في أجسامهم مضادات للمرض إلى أجل غير مسمّى. وكانت المضادات أعلى قليلاً في أجسام الأشخاص الذين تلقوا أكثر من جرعة. و في 97 % من المشاركين ، لم يلاحظ أي انخفاض في كمية الأجسام المضادة للمرض مع تقدم العمر على مدى فترة متابعة تصل إلى 88 عامًا. علاوة على ذلك ، فإن الدراسة تفضي الى أنّ المسنين الذين نجوا من عدوى الجدري النشطة في شبابهم احتفظت أجسامهم  بالأجسام المضادة للمرض  بنفس المستويات عند الأشخاص الذين تم تلقيحهم ولم يتعرضوا للمرض.


وفي نفس السياق وجدنا مقالا نشره موقع المجلة العلمية الأمريكية ُ Scientific Amarican يقول فيه "يعتقد أن المناعة ضد الجدري تعتمد على تطوير الأجسام المضادة المعادلة ، والتي تنخفض مستوياتها بعد خمس إلى عشر سنوات من التطعيم. هذا لم يتم تحديده بشكل مرضٍ على الإطلاق". وتعد مراجعة البيانات التاريخية أمرًا صعبًا بسبب عدم اكتمال المعلومات في عدد من المجالات حينها. ويضيف الموقع "حدثت آخر إصابة بالجدري الطبيعي في عام 1977 ، لذا لا يمكن تطبيق التطورات الحديثة في علم المناعة والاختبارات الطبية في هذه المسألة. قبل القضاء على الجدري ، أوصت منظمة الصحة العالمية  (WHO) بضرورة إعادة تطعيم المسافرين الدوليين إلى البلدان غير الموبوءة كل خمس إلى 10 سنوات ، وينبغي إعادة تطعيم المسافرين إلى البلدان الموبوءة كل ثلاث سنوات. ونصح مهنيي الصحة وغيرهم ممن هم أكثر عرضة للتعرض لفيروس الجدري بالتطعيم مرة واحدة في السنة. وكان أساس إرشادات منظمة الصحة العالمية هو أن تاريخ التطعيم في غضون خمس سنوات كان معروفًا بتوفيره حماية جيدة ، في حين كان من الصعب تفسير بيانات التطعيم بعد 10 سنوات. لذلك كان التقدير المتحفظ لمدة المناعة ضد الجدري مبررًا"

وإن اختلفت الآراء والدراسات العلمية حول مدى فاعلية اللقاح المضاد للجدري بمرور الزمن فإنها تجمع على أنّ هذه الفاعلية لا تتلاشى تماماً بمرور الزمن وتؤكد المنظمات والمؤسسات الصحية العالمية على أن الأبحاث جارية حاليا لمزيد معرفة مدة ومدى نجاعة لقاح الجدري ضد مرض جدري القرود.