الكاتب :صابر العياري
صابر العياري ، صحفي مختص في الصحافة الإلكترونية ورئيس تحرير سابق لعدد من المواقع الإلكترونية
الانتخابات الرئاسية المقبلة والعهدة بين تعاقب الدساتير والأجل الدستوري
الانتخابات الرئاسية المقبلة والعهدة بين تعاقب الدساتير والأجل الدستوري
نشرت رئيسة حزب الجمهورية الثالثة ألفة الحامدي على صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك بتاريخ 02 ماي 2024 بيان يحمل عنوان " الإثبات القانوني لبراءة المؤسسة العسكرية التونسية من تهمة الانقلاب العسكري على مدنيّة الدولة يوم 25 جويلية 2021 و حذاري من استعمال السيد قيس سعيد لمجلس الأمن القومي لمصادرة سيادة الشعب التونسي وتأجيل الانتخابات وحجب الصندوق و يُعرّض كلّ من رئيس البرلمان و رئيس مجلس الجهات و الأقاليم أنفسهم للمحاكمة العسكرية في حال المشاركة في جريمة تأجيل الانتخابات و لازالت الآجال الدستورية تسمح بالقيام بالانتخابات الرئاسية يوم 25 جويلية 2024 " . وجاء فيه أنه " تبعا لما سبق من بيانات إثبات انتهاء عهدة السيد قيس سعيد القانونية و الدستورية والسياسية، و التي تجعل منه رئيسا انتقاليا ذي صلاحيات محدودة و تجعل من حكومته حكومة تصريف أعمال ذات صلاحيات ضيّقة" .
من خلال هذه التدوينة حاولنا التطرق إلى بعض التفسيرات القانونية والسياسية والدستورية التشريعية المتعلقة بالعهدة الرئاسية للرئيس الحالي للجمهورية التونسية قيس سعيد في الوضع السياسي الراهن. في هذا الإطار قامت منصة تونس تتحرى بالاتصال برئيسة حزب الجمهورية الثالثة ألفة الحامدي التي أكدت أن عهدة الرئيس السياسية والقانونية والدستورية انتهت وذلك باعتبار أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال وليست حكومة قانونية لأن الأمر الرئاسي 117 الذي تم به تعيين الحكومة من قبل الرئيس انتهى ولم يعد ساري المفعول ولا يطبق حتى من قبل الرئيس لتصبح كل الحكومة غير قانونية اليوم. كما قالت أن هناك 3 جوانب تجعل من قيس سعيد منتهي العهدة ويحمل صفة رئيس انتقالي ورئيس تصريف أعمال من ذلك الجانب الدستوري بأنه تخلى عن مهامه الدستورية كرئيس وتخلى عن منصبه ولا يطبق دستور سنة 2022 كما أنه لا يحق له اعتماد دستور سنة 2022 لأنه صعد إلى سدة الحكم بدستور سنة 2014 وأدى اليمين على دستور سنة 2014 ومع تغيير الدستور أصبح يعتمد الأمر 117 الذي أصبح منتهيا ، وأضافت الحامدي أنه لا يحق له قانونيا أن يكون رئيسا ويصدر الأوامر لأنه دون سند قانوني حسب قولها.
وأضافت الحامدي أن قيس سعيد مازال يعتبر نفسه رئيسا ويصدر المراسيم دون سند قانوني وأشارت إلى أنه لا وجود لمدة رئاسية بـ 5 سنوات والتي يتم احتسابها حسب قولها بناء على دستور سنة 2014 ، غير أنه تم تغيير موعد العهدة بإعتماد المرسوم 117 والتي انتهت تقنيا في 4 أفريل 2024 وهو تاريخ وجود الشغور القانوني في تونس وهو سبب لتفعيل الفصل 109 من الدستور الذي يشير إلى ضرورة إقامة الانتخابات بين 45 و90 يوم ، وتوفرت الأسباب اليوم من ذلك انتهاء الأجندة السياسية لقيس سعيد ووجوده رئيسا وكما أنه لا يعمل قانونيا بالأمر 117 ولا يمكنه التشريع لأن البرلمان هو المشرع اليوم ، وأضافت الحامدي أن الحكومة لم تعد حكومة قانونية وأصبحت حكومة تصريف أعمال سياسية فقط إلى حين الانتخابات الرئاسية ، والفراغ اليوم يفرض انتخابات في أجل لا يتجاوز 90 يوم أي قبل 25 جويلية وفق القانون والدستور والسياسة حسب قولها.
وبالاتصال بأستاذ القانون الدستوري عبدالرزاق مختار أكد لنا أن المسألة اليوم متعلقة بنهاية العهدة الرئاسية والتي تتمثل في 5 سنوات مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد تم انتخابه بطريقة شرعية وأن الانتخابات السابقة كانت واضحة ونزيهة ومعترف بنتائجها غير أن الإشكال الأول يتمثل في تقييم 25 جويلية ومع ذلك فإن قيس سعيد مازال رئيسا بمقتضى التفويض الشعبي الذي انتخب به مع الأخذ بعين الاعتبار ما جرى في بقية المؤسسات الأخرى لكنه يبقى رئيسا منتخبا و أما الثاني فهو أن دستور 2022 لم يعط أي أحكام انتقالية تخص مسألة الانتخابات الرئاسية وأنه من الضروري نصها في الدستور باعتبار وضعية الخروج من دستور والدخول إلى دستور آخر ، وتم انتخاب الرئيس في عهدة بناء على دستور سابق بناء على أحكامه وتم الانتقال إلى دستور جديد. وأضاف أن الدستور الذي صاغه رئيس الجمهورية وتم عليه الاستفتاء كان فيه أحكام انتقالية وكان المفروض أن تنظم الانتخابات في شهر أفريل 2024 .
وأضاف عبد الرزاق مختار أن هناك إشكالين كبيرين اليوم هما عدم معرفة موعد الانتخابات الذي يحدد بقانون أو بمقتضى الدستور غير أن الدستور لم يحدد موعد الانتخابات المقبلة في أحكامه الانتقالية ومشكلة تحديد الأجل وهل أنه سيتم احتساب العهدة السابقة مع العهدة الحالية وهو ما لا يمّكن رئيس الجمهورية من الحصول على عهدة جديدة أم سيتم احتساب العهدة بناء على الدستور الجديد 2022. ويبقى الإشكال الرئيسي هو غياب أجل واضح للانتخابات يستند إلى نص قانوني ولا يستند فقط على نهاية العهدة التي بدأت في أكتوبر 2019 بمقتضى النصوص التي سبقت ، وكان من المفروض وضع أحكام انتقالية في الدستور الجديد لتحديد العهدة وموعد الانتخابات الرئاسية المقبلة بالاستمرار أو نهاية العهدة ، حسب قوله.
ومن ناحية أخرى أكد المختار أن المرسوم 117 لا عهدة فيه ولا يهم اللعبة الحالية والمنطق اليوم ، والموجود اليوم أن الرئيس منتخب ولا يشكك في انتخابه ، ويبقى إجراء الانتخابات هو الإشكال لأن تاريخ الإجراء لم يتم نصه في الأحكام الانتقالية لأن التاريخ يكون بمقتضى قانون يتم تضمينها في الأحكام الانتقالية في الدساتير ويتم تنظيم الانتخابات اليوم بناء على إتمام الأجل لمدة 5 سنوات ولكن الدستور الذي قامت عليه العهدة تم الاستغناء عنه والدستور الجديد لم يتم فيه النص على أجل دستوري كما أن العهدة هل ستحتسب أم لا باعتبار تعاقب الدساتير حسب قوله ،وأضاف المختار أنه من الضروري اليوم طرح سؤال مسكوت عنه هو التحديد القانوني الدستوري للانتخابات المقبلة.
وأشار عبد الرزاق المختار إلى أن الحكومة الحالية ليست حكومة تصريف أعمال اليوم باعتبار أن قرار تعيين الحكومة وتكليف أحمد الحرشاني برئاستها كان مبنيا على دستور 2022 وليس على المرسوم 117 الذي يتحكم فقط في المجال التشريعي في دستور 2022 ولا منطق للحديث عن حكومة تصريف أعمال اليوم.
وتجدر الإشارة من ناحية أخرى إلى أن قرار إنهاء مهام رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن بناء على الأمر عـدد 549 لسنة 2023 مؤرخ في 1 أوت 2023 وتكليف أحمد الحرشاني بناء على الأمر عـدد 550 لسنة 2023 مؤرخ في 1 أوت 2023 تم نشره في الرائد الرسمي عدد 085 بتاريخ 02/08/2023 .
وبالاتصال بأستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ أكد لنا أنه نشر مقالا مطولا في الموضوع في جريدة الشارع المغاربي بتاريخ بتاريخ الثلاثاء 6 فيفري 2024 تحدث فيه عن موضوع الانتخابات والعهدة والذي أمدنا بالمقال المنشور والذي جاء فيه التالي: "انتخب السيد قيس سعيد رئيسا للجمهورية التونسية على أساس المنظومة الدستورية الخاضعة لأحكام دستور 27/01/2014. وقد أعلنت هيئة الانتخابات فوز الرئيس قيس سعيد بموجب قرارها الصادر في 2019.
وهو ما يعني أن عد مدة الخمس سنوات ينطلق في 2019 وينتهي في شهر أكتوبر 2024. بما يفرض إجراء انتخابات جديدة قبل شهر أكتوبر 2024. وما يحسب للرئيس السابق محمد الناصر هو حرصه على احترام الآجال الدستورية عندما قال صراحة إنه لن يتجاوز أجل التسعين يوما كحد أقصى لممارسة طبق الفصل 84 من دستور2014 صلاحيات القائم بمهام رئيس الجمهورية.
غير أن الأمور لم تسر على هذا النحو. إذ بعد إعلان رئيس الجمهورية حالة الاستثناء في 25/07/2021 وبعد إصدار الأمر 117 بتاريخ 22 سبتمبر 2021 الذي يتعلق بتدابير استثنائية والذي استند إلى الفصل 80 من الدستور تولى رئيس الجمهورية إعداد مشروع دستور جديد عرضه على الشعب الذي وافق عليه يوم 25/07/2022 وتم ختمه في 17/08/2022 ودخل هذا الدستور الجديد حيز النفاذ ونتج عن هذا الوضع الدستوري الجديد وجود نظام دستوري جديد يحكم رئاسة الجمهورية بما في ذلك المدة الرئاسية.
إذ يثير من ناحية أولى بقاء الرئيس الحالي إلى حدود أكتوبر 2024 إشكالية تتعلق بعدد الدورات الرئاسية ومددها. فقد تضمّن الفصل 90 من الدستور الجديد ينتخب رئيس الجمهورية لمدة خمس أعوام خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة الرئاسية (...) ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين متصلتين أو منفصلتين (...). وتضمّن الفصل 136 من الدستور أنه يمكن المطالبة بتنقيح الدستور ما لم يمس ذلك بالنظام الجمهوري أو بعدد الدورات الرئاسية ومددها بالزيادة». مع العلم أن دستور 2014 المنتهية صلوحيته، ألزم الرئيس المباشر والذي تم على أساسه انتخابه عدم إمكانية الترشح لأكثر من دورتين.
غير أنه وفي صورة تجاهل هذا المعطى الذي انبنى عليه نص الدستور وروحه فإن باب التأويل الشيطاني للدستور يبقى مفتوحا فيسمح هذا التأويل للرئيس الحالي بالجمع بين المدة الرئاسية الأولى المستندة إلى دستور 2014 والتي لم يبق منها إلا بضعة أشهر والمدتين الواردتين في دستور 2022. ويحق طبق هذا التأويل للرئيس الحالي أن يرأس تونس مدة خمسة عشر سنة. غير أننا نرى أن هذا التأويل يشكل نسفا لإرادة الشعب صاحب السيادة الذي كانت ردة فعله واضحة وجلية سواء في دستور 2014 أو في دستور 2022. وهي ردّة فعل على حقبة تاريخية ظن الجميع وأنها أصبحت من الماضى ولا يمكن العودة إليها. ونكون بذلك انتقلنا من الحيلة الدستورية التي كانت قبل 2011 سائدة ألا وهي حيلة تنقيح الفصل المتعلق بتحديد المدة الرئاسية في ظل دستور 1959 إلى حيلة دستورية جديدة تسمح للرئيس المباشر بالبقاء على رأس الدولة التونسية إلى ما لا نهاية من خلال العمل على وضع أثناء المدة الرئاسية. دستور جديد بما يسمح للرئيس المباشر بالبقاء على رأس الدولة إلى ما لا نهاية مثلما كانت النتيجة في ظل دستور 1959 بعد تنقيحه.
وقد صرّح البعض من أنصار الرئيس قيس سعيد أنه لا وجود لانتخابات رئاسية سنة 2024 لأنه حسب تقديرهم بداية اعتبار تاريخ المدة النيابية للرئيس ينطلق من تاريخ دخول دستور 2022 حيز النفاذ. وهو أمر يدعو إلى الاستغراب ذلك أن عد الدورة الرئاسية لا ينطلق طبق الدستور الجديد إلا بعد انتخاب رئيس الجمهورية التونسية طبق أحكام وشروط الدستور الجديد أي دستور 2022. كما ذهب البعض الآخر إلى إمكانية التمديد طبق أحكام الدستور الجديد في المدة الرئاسية للسيد قيس سعيد بموجب قانون وهو كذلك خيار مستبعد من الناحية الدستورية لسببين رئيسيين. يكمن السبب الأول، وهو سبب مبدئي في عدم انطباق الأحكام المتعلقة برئيس الجمهورية الواردة في دستور 2022 على رئيس منتخب طبق دستور لم يعد ساري المفعول وذلك بعد إلغاء العمل به. أما السبب الثاني فقد جاء به الفصل 90 من الدستور الجديد لأنه لا يمكن التمديد في المدة الرئاسية بقانون إلا إذا ثبت «تعذر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدد بسبب حرب أو خطر داهم». وإذا سبق للرئيس قيس سعيد أن تحرر بشكل كامل عند تأويله لمقتضيات الفصل 80 من دستور 2014 إلا أن الأمر لا يرتبط هنا بإرادته المنفردة. ذلك أن مجلس نواب الشعب هو في هذا المجال صاحب الاختصاص. ويصبح الأمر مرتبطا بإرادته علما وأن قانون التمديد يتخذ طبق الفصل 75 من دستور 2022 شكل القانون الأساسي. وهو ما يفرض مصادقة مجلس نواب الشعب بالأغلبية المطلقة لأعضائه. وإذا كان مجلس نواب الشعب يتمتع بعد انتخابه طبق قواعد وشروط الدستور الجديد بالشرعية، فإن الأمر يدعو بالنسبة لكامل السلطة التنفيذية، بعد دخول دستور 2022 حيز النفاذ إلى الحيرة ". هذا النص مأخوذ من المقال المنشور في جريدة الشارع المغاربي بتاريخ 6 فيفري 2024.
يهدف هذا المقال التفسيري إلى استكشاف بعض الجوانب السياسية الحالية في تونس، مع التركيز على التأخير في الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية. كما يناقش المقال بعض الجوانب القانونية والدستورية، بما في ذلك المصطلحات القانونية المستخدمة في تحليل التداخل القانوني بين دستور 2014 ودستور 2022 والمرسوم الرئاسي 117. بالإضافة إلى ذلك، يتناول المقال التغييرات الدستورية والتشريعية المتعلقة بالانتخابات والعهدة الرئاسية، مع انتظار إجراء الانتخابات.
الكاتب :صابر العياري
صابر العياري ، صحفي مختص في الصحافة الإلكترونية ورئيس تحرير سابق لعدد من المواقع الإلكترونية