تفسيري

زيارات رفيعة المستوى: فهم الفروق الدقيقة بين زيارة الدولة والزيارة الرسمية

تفسيري

زيارات رفيعة المستوى: فهم الفروق الدقيقة بين زيارة الدولة والزيارة الرسمية

منذ تاريخ 28 ماي2024  وحتى 1 جوان 2024، تداولت وسائل الإعلام المحلية خبر الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى جمهورية الصين الشعبية. وقد تناولت وسائل الإعلام مختلف المراسم التي جرت خلال الزيارة. خلال متابعتنا للتغطية الإعلامية المتعلقة بالزيارة,  لاحظنا  أن بعض وسائل الإعلام وصفت الزيارة بأنها زيارة "رسمية"، في حين استخدمت وسائل إعلام أخرى مصطلح "زيارة دولة". (بعض الأمثلة في الوثيقة 1 و2) 



وتجدر الإشارة إلى أن الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية كانت قد أوضحت بجلاء أن هذه الزيارة كانت "زيارة دولة". هذا التباين في التسمية يكشف عن وجود خلط في المفاهيم، حتى في بعض المنابر والبرامج الحوارية الإذاعية والتلفزيونية. 

حاولنا في المقال التالي شرح الفروق الرئيسية بين "زيارة الدولة" و"الزيارة الرسمية" و بصورة أوضح وأشمل أهمّ أنواع الزيارات الرئاسية من حيث البروتوكول و المراسيم. 

باتصالنا   بوزير الخارجية الأسبق أحمد ونيّس, الذي صرّح  لتونس تتحرى أنّ زيارة الدولة لها ترتيبات سابقة تحتوي جميع استعراض الأمور الشّكلية بما فيها الجيش و فرقة الشّرف وهذه الشكليات تكون مضبوطة ودقيقة. 

من جهته,  أكّد لنا الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي أن الزيارة هي بلا شك زيارة دولة، وذلك نظرًا لمدتها التي تجاوزت يومين , مشيرا إلى  أن زيارة  الرئيس قيس سعيد إلى الصين قد استغرقت خمسة أيام.  و أشار أن العديد من المراسم التي تمت خلال الزيارة تؤكد على صفة "زيارة دولة"، إذ لم تكن هذه الزيارة عابرة، بل كانت موجهة خصيصًا إلى جمهورية الصين الشعبية وبناءً على دعوة رسمية من الرئيس الصيني شي جين بينغ. وهي أوّل'' زيارة دولة '' قام بها قيس سعيد للصين كما أكّد أنّ هذه الزيارة يمكن أن تتكرر حسب شروط معيّنة طالما امتدّت فترة حكم الرئيس .

بالإضافة إلى ذلك، شملت الزيارة لقاءات مع رئيس الدولة المضيفة وأبرز شخصياتها، مما يضفي على الزيارة صفة "زيارة دولة" من حيث نتائجها والاتفاقيات التي أبرمت خلالها. 


و قد أشار إلى أن  زيارة الدولة   تُعَدُّ الأعلى مرتبة في التسلسل الهرمي للزيارات الرئاسية, حيث يُميز البروتوكول الثلاثي بين أربعة أنواع من الزيارات: زيارات الدولة، الزيارات الرسمية، زيارات العمل، والزيارات الخاصة. و الفارق الرئيسي في زيارة الدولة بسيط: فهي لا يمكن أن تُجرى إلا بين رؤساء الدول، على عكس الزيارات الرسمية التي يمكن أن تشمل رؤساء الحكومات، الوزراء أو الدبلوماسيين.


و على سبيل المثال , ذكرالدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي , الزيارات التي يقوم به رئيس فرنسا,  موضحا أنه يتم تنظيم ما بين ثلاث إلى خمس زيارات من هذا النوع سنوياً، بينما يتم تنظيم عشرات الزيارات الرسمية، ومئات زيارات العمل و أن آخر زيارة من هذا النوع تمّ تنظيمها بمناسبة زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ .


وتشير موسوعة الجزيرة الإخبارية  أنّ الزيارات الدبلوماسية  تنقسم إلى ثلاثة أنواع رئيسية، لكل منها خصائصها وبروتوكولها الخاص. "زيارة دولة" تُعد الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات، حيث تتم بدعوة رسمية من رئيس الدولة المضيفة إلى نظيره الزائر، ويُعامل الضيف بكرامة وشرف كبيرين، ويتضمن البرنامج احتفالات ومراسم استقبال وتوديع رسمية تشمل إطلاق الطلقات النارية وزيارة الأماكن البارزة. تقتصر هذه الزيارة عادة على مرة واحدة خلال فترة حكم الرئيس. أما "زيارة العمل"، التي قد تُسمى "زيارة رسمية"، فهي تركز على الهدف العملي وتكون لأغراض محددة مثل المباحثات الثنائية وتوقيع الاتفاقيات، دون مراسم احتفالية مكثفة، ويكون استقبال الرئيس الضيف بمستوى أقل رسمية. وأخيرًا، "الزيارة الخاصة" هي لأغراض شخصية مثل العلاج أو السياحة، ولا تتطلب مراسم بروتوكولية كبيرة، ويكون استقبال الضيف فيها أكثر تواضعًا.


وفي مقال لجريدة Le Figaro الفرنسية صادر سنة 2016 على هامش زيارة الرئيس الكوبي راؤول كاسترو لفرنسا( في زيارة دولة تعتبر الأولى لرئيس كوبي في الاتحاد الأوروبي منذ توليه الحكم عام 2006، والأولى لرئيس كوبي يزور باريس منذ 21 عامًا. ) يوضّح المقال أهمّ الفروقات بين الزيارات, حيث تعتبر  زيارة الدولة الأعلى مستوى في التسلسل الهرمي البروتوكولي، وتتم بدعوة رسمية من رئيس الدولة المضيفة لرئيس الدولة الزائر، وتتضمن مراسم احتفالية كبيرة تشمل استقبالًا عسكريًا رسميًا حيث يتم استعراض القوات العسكرية وتقديم التشريفات. يتم تنظيم أحداث رسمية مثل الاجتماعات مع الرئيس، رئيس الوزراء، وزيارة البرلمان، بالإضافة إلى مأدبة عشاء رسمية بديكورات وطقوس خاصة. في المقابل، تكون زيارة العمل أو الزيارة الرسمية أكثر مرونة ويمكن أن تشمل رؤساء الحكومات أو الوزراء والدبلوماسيين، وهي رغم أهميتها السياسية، لا تتضمن نفس مستوى التشريفات كبساط أحمر طويل أو طلقات مدفعية. تركز زيارة العمل على المباحثات الثنائية وتوقيع الاتفاقيات مع مراسم استقبال ووداع أقل رسمية. أما الزيارة الخاصة، فهي تهدف لأغراض شخصية مثل العلاج أو السياحة ولا تتطلب مراسم بروتوكولية كبيرة، حيث يكون البساط الأحمر قصيرًا والاستقبال متواضعًا.


وبالاطلاع على الموقع الرّسمي لسفارة دولة الصين الشعبية في تونس , وجدنا مجموعة من المعطيات حول تاريخ الزيارات الثنائية بين الدّولتين التي ابتدأت   بتوقيع  رئيس الوزراء الصيني زو إنلاي، البيان المشترك حول إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وتونس في 10 جانفي 1964. ومنذ ذلك الحين، وبعد مضي أكثر من أربعة عقود، شهدت العلاقات الصينية التونسية للصداقة والتعاون تقدمًا مستمرًا و تضاعفت زيارات التبادل بين الطرفين، وتعمقت التعاونات الثنائية في المجالات  مثل السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والتعليمية والتكنولوجية والسياحية. حيث قام الرئيس الراحل الأسبق زين العابدين بن علي بزيارة دولة إلى الصين في أفريل سنة  1991 . و في شهر جويلية 1991، قام رئيس الصين يانغ شانغ كون   ب''زيارة دولة''  إلى تونس. تلتلها في  أفريل 2002 ''زيارة دولة '' أخرى إلى تونس تم  فيها توقيع 7 اتفاقيات تعاون، مثل اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني واتفاقية في مجال النقل البحري، اتفاقية الخدمات الجوية. وفي جوان 2002، قام السيد فؤاد المبزع، رئيس مجلس نواب تونس، بزيارة إلى الصين.  أما في شهر جوان 2004، قام  زينغ تشينغ هونغ، ، بزيارة رسمية إلى تونس. خلال هذه الزيارة، تم توقيع 8 اتفاقيات تعاون في المجالات الاقتصادية والتعليمية والسياحية والصحية، مثل اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة ومذكرة التفاهم لتشجيع زيارة تونس لمجموعات السياح الصينية.