تفسيري

الاستمطار الصناعي: حل مبتكر لمواجهة أزمة الجفاف وتحديات المناخ.

تفسيري

الاستمطار الصناعي: حل مبتكر لمواجهة أزمة الجفاف وتحديات المناخ.

في ظل التحديات البيئية والمناخية التي تواجهها تونس، تأتي مبادرة الاستمطار الصناعي كإحدى الحلول المبتكرة لمواجهة أزمة الجفاف المتفاقمة. 

حيث أعلن سفير إندونيسيا بتونس يوم الجمعة 07 جوان 2024 ، زهيري مصراوي، عن زيارة فريق إندونيسي لتونس في الخريف المقبل لإجراء عمليات استمطار تهدف إلى تحسين مستوى المياه المتاحة من السدود مثل بني مطير وسدود ولاية زغوان. 

وتأتي هذه الخطوة استجابة للوضع المناخي الحرج، حيث شهدت تونس موسم جفاف استثنائي لعام 2022-2023، تميز بنقص حاد في التساقطات المطرية وارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة. 

ومع استمرار حالة الجفاف لثلاث سنوات متتالية، فإن التوجه نحو الاستمطار الصناعي يعد خياراً حيوياً، لا سيما في ظل نجاح هذه التقنية في دول أخرى كإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة. ولتسليط الضوء على هذا الحل المبتكر، حاولنا في هذا المقال التفسيري تسليط الضوء على عملية  الاستمطار الصناعي و ذكر أهم التجارب الدولية التي تلهم هذا التوجه البيئي .


قامت منصة تونس تتحرى بالاتصال   بالخبير في الموارد المائيّة وكاتب الدولة الأسبق المكلف بالمياه عبد الله الرابحي  الذي صرّح لنا  أنّ عملية الاستمطار ليست عمليّة مستجدّة في تونس كما يتصوّرها البعض وقد تمّ منذ التسعينات البدأ في القيام ببعض التجارب للاستمطار لكنّ لم يتمّ إستكمالها. حيث أوضح أن عمليّة تكوّن الماء في السّحاب  تمرّفي العادة عبر عدة مراحل مهمّة . فبعد تبخر الماء من المحيطات والبحيرات والأنهار وحتى من الأرض نفسها بفعل الطاقة الشمسية وارتفاع بخار الماء في الغلاف الجوي يتم التكاثف (condensation) على نواة تكاثف(des noyaux de condensation)  لتشكل قطرات مائية صغيرة (des gouttelettes d'eau).تستمر القطرات المائية في النمو طريقين رئيسيين، وهما التجمع حيث تتجمع القطرات مع بعضها لتشكل قطرات أكبر، وتكاثف البخار المائي حيث يتكاثف بخار الماء الزائد مباشرة على سطح القطرات الموجودة. وعندما تصبح  قطرات الماء كبيرة بما يكفي، تسقط إلى الأرض بفعل الجاذبية كأمطار أو ثلوج، حسب درجة الحرارة السائدة.


في حالة الجفاف، تتأثر عملية تكوين الماء في السحاب بشكل كبيرفي الظروف الجافة، يمكن أيضاً أن تزداد تأثيرات الرياح والجفاف في تشتت السحب وتقليل كثافتها، مما يزيد من صعوبة حدوث الهطول ليأتي دور الاستمطار الصناعي أو ''تلقيح السّحب'' (ensemencement des nuages)  كحلّ من الحلول المتاحة والتجارب العلميّة التي ثبتت فعاليتها في بعض البلدان .

و يشير الخبير في المياه إلى أن الهدف الرئيسي  لعمليّة الاستمطار هو زيادة كمية الأمطار أو الثلوج في المناطق التي تعاني من الجفاف أو لتقليص حجم البرد ففي بعض الحالات، يمكن استخدام تزايد السحب لتقليل حجم وشدة حبيبات البرد.  كما أوضح لنا  أنّ السُحُب تحتوي على قطرات ماء صغيرة جدًا لا يمكن أن تتساقط في شكل مطر. خلال عملية  تلقيح السحب تتمّ إضافة  مركبات  مثل جزيئات يوديد الفضة(iodure d'argent) أو الملح أو الثلج الكربوني، إلى السُحُب. تجذب هذه الجزيئات القطرات المائية وتجعلها تتكاثف وتزداد وزنًا حتى تسقط في شكل هطول.

وجدنا في موقع ''Parlons Sciences''( وهو موقع علمي تابع لمنظمة '' Parlons Sciences''  وهي منظمة خيرية وطنية في كندا) مقالا علميّا يصف عملية الاستمطار ومراحلها و يعتمد على رسم بياني لمزيد من التّفسير ومن أهمّ ماجاء فيه أنّ عملية تكوّن الماء في السحاب على تجمع الجزيئات المتبخرة لتشكيل قطرات مائية تصبح كافية للهطول. لزيادة فرص الهطول، يتم تلقيح السحاب بجزيئات صغيرة تساهم في تكوين قطرات الماء، وعادة ما تكون هذه الجزيئات من اليوديد الفضي. يتم إطلاق هذه الجزيئات بواسطة مولدات عملاقة على الأرض أو من خلال طائرات تمر فوق السحب. بمجرد تكوّن القطرات الكبيرة بما فيه الكفاية، تتساقط على شكل أمطار أو ثلوج.


و قد أشار السيد عبد الله رابحي أنّ  أول تجربة استمطار تعود للولايات المتحدة  التي كانت واحدة من أولى الدول التي قامت بتجارب الاستمطارحيث تم تنفيذ برامج في ولايات مثل تكساس وكاليفورنيا في 1946 للحدّ من ظاهرة الجفاف آنذاك  ثمّ في الأعوام 1950 لإدارة هطول الأمطار وتقليل الأضرار الناجمة عن البرد(La grele) 

تُعدّ الصين أيضا رائدةً عالميةً في مجال هندسة الطقس، وتحديدًا في تقنية الاستمطار الاصطناعي تطورت بشكل كبير منذ سنة 1958، وأصبحت الآن أكثر الدول نشاطًا في هذا المجال.وفي سنة 2011، قامت بإنفاق 150 مليون دولار على برنامج إصطناعي للأمطار في إحدى المناطق الإقليمية.

تُعدّ الإمارات العربية المتحدة  كذلك من رواد تجارب الاستمطار الاصطناعي على مستوى العالم العربي ، حيث تُبذل جهودٌ حثيثة لتطوير تقنيات جديدة وتحسين كفاءة هذه العمليات. خاصّة عندما تمّ تأسيس برنامج الإمارات الوطني للاستمطار الاصطناعي عام 2003 والذي يهدف إلى زيادة هطول الأمطار وتخفيف حدة الجفاف من خلال استخدام تقنيات متطورة مثل التلقيح السحابي والزراعة الجوية.

روسيا لديها أيضًا تاريخ طويل من زراعة السحب، مع برامج نشطة في عدة مناطق من البلاد لزيادة الهطولات المطرية وإدارة الظروف الجوية وتجدر الاشارة إلى أنّه  في تونس بالتحديد في الشمال الغربي وما  بين عام 1994 و 1995  قام فريق روسي بزيارة إلى تونس قصد البدأ في تجربة استمطار في فترة الجفاف وأشرف على العملية المهندس و الخبير وكاتب الدولة الأسبق الرّاحل عامر الحرشاني  وكان محمد بن رجب وزير الفلاحة و السيد عبد الله الرابحي الذي كان مندوبا آنذاك. ولم يتمّ الاعلان عليها ..

المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تحث على تعزيز التعاون بين الدول في مجال الأرصاد الجوية وتبادل المعلومات الخاصة بالطقس والمناخ والهيدرولوجيا، وتطوير الخدمات ذات الصلة.