تفسيري

الهيدروجين الأخضر: طاقة واعدة أم وهم؟

تفسيري

الهيدروجين الأخضر: طاقة واعدة أم وهم؟

تم يوم 31 ماي 2024 بقصر الحكومة بالقصبة توقيع مذكرة تفاهم بين الجمهورية التونسية والمجمع السعودي "أكوا باور" لتطوير مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر ، وترتكز المرحلة الأولى لهذا المشروع على المكونات التالية:
- إنتاج الكهرباء بقدرة مركزة تناهز 4.1 جيغاواط من الطاقات المتجددة موزعة بين 1.7 جيغاواط من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية و2.4 ميغاواط من طاقة الرياح مع اعتماد خيارات قابلة للتطور استجابة لاحتياجات الشبكة الوطنية.
- تركيز معدات خزن (بطاريات) بهدف ضمان الإمدادات العادية للكهرباء مع تركيز 576 كيلومتر من خطوط النقل الهوائية ذات جهد عالي لربط مواقع إنتاج الكهرباء بمحطات انتاج الهيدروجين وتحلية المياه.
- تركيز محطة تحلية مياه البحر بقدرة 50 ألف م3/يوم قابلة للتعديل حسب الاحتياجات المحلية.
- تركيز وحدة إنتاج الهيدروجين وذلك باعتماد تكنولوجيا التحليل الكهربائي المتقدمة بقدرة 2 جيغاواط واحداث وحدات لتخزين الهيدروجين الأخضر.
- تركيز أنابيب نقل ومركز ضغط الهيدروجين المعد للدمج في البنية التحتية لنقل الهيدروجين المحلي والمعد للتصدير .
- تركيز وحدة لإنتاج الأمونيا وأخرى لتصديرها في قابس أو الصخيرة في مرحلة اولى، اعتمادًا على فرص السوق المباشرة.
وستمكن هذه المرحلة الأولية للمشروع من إنتاج حوالي 200.000 طن من الهيدروجين الأخضر سنويا علما وأن كلفة الاستثمارات الجملية الخاصة بهذه المرحلة تناهز 6.2 مليار دولار.
وسيتضمن المشروع تطوير مراحل أخرى، بما سيساهم في توسيع القدرة المركزة من مصادر الطاقات المتجددة لتكون في حدود 12 جيغاواط مع الرفع من معدلات إنتاج الهيدروجين الأخضر لتتجاوز 600.000 طن سنويا.



وتم يوم الاثنين 27 ماي 2024 في نفس الإطار توقيع مذكرة تفاهم بين الجمهورية التونسية مجمع الشركات الفرنسية "توتال للطاقات-TotalEnergies" والنمساوية "فاربوند-Verbund" والتي تتعلق بتطوير وإنجاز مشاريع للهيدروجين الأخضر في تونس.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تطوير وإنجاز مشروع لإنتاج 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر في مرحلته الأولى مع تركيز 5 جيغاواط من الطاقات المتجددة في أفق 2030. ومن المتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية إلى مليون طن سنويا في المرحلة النهائية للمشروع ، وتبلغ قيمة استثمارات المشروع حوالي 8 مليار أورو في المرحلة الأولى و40 مليار أورو في مرحلته النهائية.
ويندرج توقيع هذه المذكرة في إطار تنفيذ التوجهات العامة للاستراتيجية الوطنية الطاقية في أفق سنة 2035 الهادفة إلى تقليص العجز الطاقي، والانتقال من النظم التقليدية للإنتاج والاستهلاك إلى نموذج طاقي جديد ومستدام، يرتكز على تنويع مصادر الطاقة، ودفع الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة، إلى جانب النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة والجديدة، على غرار الهيدروجين الأخضر كمصدر جديد لتنويع المزيج الطاقي.
وتهدف الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر ومشتقاته إلى استقطاب الاستثمار المحلي والأجنبي مع استغلال الإمكانات المتاحة على الصعيد الوطني من كفاءات وبنية تحتية صناعية وطاقية متوفرة وتموقع تونس الاستراتيجي لانتاج 8.3 مليون طن من الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في أفق 2050 منها 2.3 مليون طن موجهة الى السوق المحلية و6 مليون طن موجهة إلى التصدير بقيمة استثمارات جملية تناهز 120 مليار أورو وإحداث 430 الف موطن شغل جديد مباشر وغير مباشر.


يرى البعض أن هذه الاستراتيجية استراتيجية فاعلة للتقليل من الانبعاثات وتقليص العجز الطاقي، والانتقال من النظم التقليدية للإنتاج والاستهلاك عبر تنويع مصادر الطاقة والمزيج الطاقي في حين ترى أطراف أخرى أن الهيدروجين الأخضر له تأثيرات سلبية منها المرصد التونسي للمياه الذي يرى أنّ إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس سيستنزف الموارد المائية ، فما هو الهيدروجين الأخضر؟ وما هي إيجابياته وسلبياته في المجال الطاقي في تونس؟

الهيدروجين الأخضر هو ناقل طاقة متعدد الاستخدامات يمكن أن يساعد في مواجهة تحديات الطاقة الحرجة المختلفة ويستخدم بشكل رئيسي في قطاعي التكرير والكيماويات ويتم إنتاجه باستخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي، وبالتالي فهو مسؤول عن انبعاثات سنوية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون ، ومن الممكن أن يساعد الهيدروجين النظيف المنتج بالطاقة المتجددة أو النووية، أو الوقود الأحفوري باستخدام احتجاز الكربون، في إزالة الكربون من مجموعة من القطاعات منها النقل لمسافات طويلة، والمواد الكيميائية، والحديد والصلب ومن شأن المركبات التي تعمل بالهيدروجين أن تعمل على تحسين نوعية الهواء وتعزيز أمن الطاقة، ويمكن أن يدعم الهيدروجين أيضًا دمج مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة في نظام الكهرباء، باعتباره أحد الخيارات القليلة لتخزين الطاقة على مدار أيام أو أسابيع أو أشهر وفق ما نشرته وكالة الطاقة الدولية .


وأضافت الوكالة أن عدد المشاريع المعلنة لإنتاج الهيدروجين منخفض الانبعاثات يتزايد بسرعة إذ يمكن أن يصل الإنتاج السنوي من الهيدروجين منخفض الانبعاثات إلى 38 مليون طن في عام 2030، إذا تم تنفيذ جميع المشاريع المعلنة، على الرغم من أن 17 مليون طن تأتي من مشاريع في مراحل مبكرة من التطوير.


ووصل استخدام الهيدروجين العالمي إلى 95 مليون طن في عام 2022، بزيادة قدرها 3٪ تقريبًا على أساس سنوي، مع نمو قوي في جميع المناطق المستهلكة الرئيسية باستثناء أوروبا، التي عانت من تضرر النشاط الصناعي بسبب الزيادة الحادة في أسعار الغاز الطبيعي.


وعلى عكس الهيدروجين الرمادي الناتج عن الوقود الأحفوري (الغاز الطبيعي) -والذي يعد من ضمن غازات الاحتباس الحراري عالية الانبعاث يتولد الهيدروجين الأخضر عن طريق التحليل الكهربائي للمياه، والتي بدورها تُزود بالكهرباء المُولدة من الطاقات المتجددة، بحيث يطلق احتراق 1 كغ من هذا الغاز طاقة تزيد بمقدار أربعة أضعاف عن تلك الناتجة عن احتراق 1 كغ من البنزين تقريبًا وفق الهيئة الفرنسية للطاقات البديلة والطاقة الذرية.


بعد توقيع مذكرتي التفاهم اختلفت الآراء في هذا الموضوع بين مؤيد ورافض,  و من إيجابيات الهيدروجين الأخضر التقليل من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ، كما أنه لا يصدر غازات دفيئة أثناء إنتاجه أو استخدامه ، على عكس الوقود الأحفوري ويمكن إنتاجه من مصادر الطاقة المتجددة ، من خلال التحليل الكهربائي للمياه باستخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح مع إمكانية استخدامه بمرونة في مجموعة متنوعة من القطاعات بما في ذلك نقل الطاقة وتوليدها وتخزينها اعتماده في المركبات مثل القطارات والسفن والطائرات ، مما يزيل انبعاثات الملوثات الجوية أثناء النقل ويمكن استخدامه في خلايا الوقود لتوليد الكهرباء وتخزينه للاستخدام المستقبلي ، الهيدروجين الأخضر يمكن استخدامه كمواد خام للصناعات الكيماوية والبتروكيماوية والأدوية والأسمنت والصلب.


ومن سلبياته التي تم تحديدها في أغلب الدراسات والتقارير أن تكلفة إنتاجه عالية مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى ، لاستخدامه كبديل للوقود الأحفوري ، مثل البنزين أو الديزل حيث  ستحتاج صناعة السيارات إلى التكيف مع استخدام الهيدروجين ، بالإضافة إلى وجود خيارات أخرى ، مثل السيارة الكهربائية ، والتي يمكن استخدامها كبديل.  ومن ناحية أخرى تؤدي الكثافة المنخفضة للهيدروجين ، سواء في الحالة السائلة أو الغازية ، إلى كثافة طاقة منخفضة ليبقى الهيدروجين في شكله النقي وسيلة غير جيدة لنقل الطاقة.


 ومن بين التحديات التي تجابه  اليوم اعتماد الهيدروجين الأخضر ضرورة توفر بنية تحتية لتخزين وتوزيع الهيدروجين حيث يتطلب إنتاجه  مصادر طاقة كهربائية متجددة ، والتي لا تزال أقل توفرًا في بعض مناطق العالم ولا تزال هناك تحديات تقنية لزيادة كفاءة إنتاج الهيدروجين وتخزينه ومن ناحية أخرى هناك تخوف من استخدام الهيدروجين لارتباطه بالقنابل والتفجيرات النووية حسب ما نشره موقع MITSIDI PROJECTS.


وفي نفس الإطار اتصلت منصة تونس تتحرى بإلياس بن عمار عضو مجموعة العمل من أجل ديمقراطية الطاقة والذي أكد لنا أنه قام بنشر مقال يتحدث عن الهيدروجين الأخضر في تونس عبر موقع انحياز تحت عنوان "خضوع قديم لاستعمار متجدد الهيدروجين الأخضر في تونس: آلية جديدة للنهب والاستغلال" بتاريخ 04 أفريل 2024 وأرسله لنا عبر الايميل والذي تحدث عن الهيدروجين الأخضر بصفة مفصلة وأكد أن تونس ستصبح مثل عديد الدول الأخرى المنخرطة في مشاريع تصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا حديقة خلفية وخزانا طاقيا لدول الشمال في تكريس واضح للتبعية واستعادة لآليات الاستعمار في استغلال ثروات البلاد لصالحه وستستفيد أوروبا أيضا من هذا النوع من المشاريع باعتبار أن التجهيزات اللازمة لتنفيذها ستكون أوروبية بفتح أسواق جديدة للصناعات والتحكم في سلاسل إنتاج مستحدثة إضافة إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر يعتمد على تكنولوجيا مستوردة أساسا (المحللات الكهربائية و الألواح الشمسية) واستثمارات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة عبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتكون البلاد التونسية مطالبة فقط بتوفير الموارد الطبيعية كالأرض والمياه بأرخص الأثمان و تحمُّل التبعات البيئية والاجتماعية لهذه العملية.


وجاء في المقال أيضا أنه من أجل بلوغ الهدف الذي وضعته الاستراتيجية الوطنية التونسية (6 مليون طن للتصدير)، لا بد من تركيز ما يفوق 90 جيغاوات من الطاقات المتجددة (طاقة الرياح والطاقة الفولتوضوئية) أي ما يعادل 15 ضعف قدرة الطاقة الكهربائية المركزة حاليا بالبلاد وسيتم استغلال مالا يقل عن 500 ألف هكتار من الأراضي بالجنوب التونسي لصالح هذه المشاريع إما عبر الاستيلاء عليها أو عبر الأراضي المملوكة من طرف الدولة التي ستقدم على طبق من فضة للمستثمرين.  


وأكد المقال المنشور أن هذه الكمية من الطاقات المتجددة المركزة ستساهم في استخراج غاز الهيدروجين  H2 من مياه البحر بعد تحليتها. هذا يعني بناء محطة / محطات لتحلية المياه بقدرة إنتاجية تساوي على الأقل 160 مليون متر مكعب سنويا أي ما يعادل استهلاك 400 ألف مواطن تونسي (باعتماد معدل 400 متر مكعب سنويا لكل فرد)  في بلد يواجه كابوس الجفاف وصعوبة مستمرة من سنة إلى أخرى في توفير مياه الشرب لمواطنيه دون التغافل عن صيحات الفزع التي تطلقها فعاليات المجتمع المدني الناشطة في المجال حول الوضعية المائية .


وأضاف المقال أن هذه الاستثمارات التي ستمول تقريبا عبر ديون من طرف المؤسسات المالية العالمية  كالبنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية و غيرهما إضافة إلى البنك العالمي الشريك الأساسي لتونس في تنفيذ هذا النوع من المشاريع التي تعتبر تطبيقا عمليا لتوصياته.


وفي نفس التمشي اعتبر منسّق المرصد التونسي للمياه علاء المرزوقي أنّ إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس مشروع مستنزف للموارد المائية ، وقال في تصريح لموزاييك، إنّ المرصد حذّر من خطورة هذا المشروع الذي سيستهلك حوالي 250 مليون متر مكعب سنويا أيّ ما يعادل تقريبا نصف استهلاك التونسيين للمياه الموزعة من طرف الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. كما يعادل كذلك حوالي نصف مخزون المياه في السدود التونسية.

في شد وجذب بين الدولة التونسية التي ترغب في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية الطاقية في أفق سنة 2035 باعتماد الهيدروجين النظيف والذي يعتبر أقل الأشكال بعثا للغازات الدفيئة وثاني أوكسيد الكربون حفاظا على البيئة وانتقالا إلى اعتماد الطاقات المتجددة والسعي نحو الانتقال إلى طاقات حديثة ومتجددة وبين خبراء وجمعيات ومنظمات رافضة لهذا الانتقال والذي ترى فيه إضرارا بالصالح العام الوطني و إضرارا بالمخزون المائي الوطني في برامج ومشاريع لا تجلب إلا تعميق خطورة الجفاف على البلاد والتفقير المائي إضافة إلى خدمة للسياسات الأوروبية وتفعيلا لسياسات الاستعمار بين الشمال والجنوب.


حاولنا في هذا المقال تسليط الضوء على الهيدروجين الأخضر الذي تسعى الجمهورية التونسية إلى تطبيقه في البلاد لبعث مشاريع جديدة في هذا الإطار والنظر في مختلف الآراء للوقوف على هذا المنتوج الطاقي ومدى تأثيراته الايجابية والسلبية على البلاد.