تفسيري

المناظرات التلفزيونية في الإنتخابات: القانون والتنظيم ودورها في ترشيد الناخبين

تفسيري

المناظرات التلفزيونية في الإنتخابات: القانون والتنظيم ودورها في ترشيد الناخبين

نشرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 بلاغا جاء فيه أنه تم بمقر التلفزة الوطنية الإشراف على القرعة الخاصة بترتيب تسجيل و بث حصص التعبير المباشر وقرعة اللقاء الخاص بالمترشحين الثلاثة للانتخابات الرئاسية 2024 ، وقد تولى عدل منفذ مواكبة ومعاينة عملية القرعتين.

ونشرت التلفزة التونسية على موقعها نتائج القرعة التي جرت بالتنسيق مع هيئة الانتخابات والتي أسفرت عن الترتيب التالي في قرعة حصص التسجيل للتعبير المباشر:
-1  المترشح زهير المغزاوي  
-2 المترشح قيس سعيد
- 3 المترشح العياشي الزمال
وسيكون البث الأول لحصص التعبير المباشر بتاريخ 23 سبتمبر 2024 على القناة الوطنية الأولى بداية من الساعة التاسعة ليلا.
أما نتائج القرعة الخاصة بالحضور ضمن البرنامج التلفزي "لقاء خاص" الذي سيبث على مدار ثلاثة أيام، 24 و25 و26 سبتمبر 2024 على القناة الوطنية الأولى بداية من الساعة التاسعة ليلا فقد كانت كالآتي:
الحصة الاولى بتاريخ 24 سبتمبر 2024 للمترشح قيس سعيد.
الحصة الثانية بتاريخ 25 سبتمبر 2024 للمترشح زهير المغزاوي.
الحصة الثالثة بتاريخ 26 سبتمبر 2024 للمترشح العياشي الزمال.

أثار هذا الخبر بعد نشره موجة كبيرة من التساؤلات عن إجراء المناظرة بين المترشحين  لرئاسيات 2024 كالتي جرت خلال رئاسيات 2019 ،الأمر الذي دفعنا إلى العمل على متابعة موضوع إجراء المناظرة في الانتخابات الحالية وتلاقي المترشحين في المباشر للإجابة عن بعض الأسئلة وتمكين المواطنين من الإختيار بصفة أوضح بين المترشحين .
 فما هي المناظرة؟ وماهي القوانين المنظمة لها؟ وهل تم الإستغناء عنها وتعويضها بحصص التعبير المباشر واللقاءات الخاصة مع المترشحين؟

جاء في دليل وسائل الاعلام في الفترة والحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية 2024 أن الفترة الانتخابية أو فترة الاستفتاء هي المدة التي تضم مرحلة ما قبل الحملة الانتخابية أو ما قبل حملة الاستفتاء، والحملة، وفترة الصمت، وتمتد حتى الإعلان عن النتائج النهائية ، وتم في هذا الدليل التعرض إلى بعض المصطلحات والمبادئ التي يجب على وسائل الإعلام اعتمادها خلال فترة الحملة الإنتخابية ومن بينها :

التعبير المباشر:

جرت العادة في تونس في كل الانتخابات السابقة سواء كانت تشريعية أو رئاسية أو بلدية أو محلية بفتح باب التعبير المباشر للمترشحين "والذي يعتمد كوسيلة للاتصال من قبل المترشحين وتتولى وسائل الإعلام السمعية والبصرية العمومية تنفيذ ذلك ويتم إنتاج برامج التعبير المباشر وبثها فـي ظروف مماثلة بين المترشحين.
وتحدّد شروط الإنتاج والعرض بما في ذلك شكل ومدة وتوقيت وترتيب البث وغيرها ضمن مذكرة تفصيلية تصدر عن الهيئة بالتنسيق مع مؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسية.

تتخذ مؤسستا الإذاعة والتلفزة التونسية التدابير اللازمة لرفع جميع العراقيل التي قد تمنع كل مترشح أو من يمثله، يكون ذا إعاقة من التعبير في برامج التعبير المباشر، بما في ذلك تيسير النفاذ للاستوديوهات المعدة لإنتاج تلك البرامج. يتم الإعلان عن البرامج المخصصة للتعبير المباشر بواسطة إشارة تبث قبل وأثناء الحصص المذكورة تتضمن إعفاء منشأة الاتصال السمعي والبصري عما تضمنته تلك الحصص من مضامين
الخاصة.
لا يمكن بث برامج التعبير المباشر من قبل وسائل الإعلام والاتصال السمعي ويسمح استثنائيا بيت مقتطفات قصيرة منها في إطار التعاليق الصحفية دون أن يمس ذلك من مضمونها الأصلي أو يؤدي إلى تحميلها
والبصري مضمونا مغايرا".

اللقاءات الخاصة:

تعتمد وسائل الإعلام حوارات خاصة مع المترشحين للإنتخابات لتفتح لهم الباب  للتعبير عن برامجهم الانتخابية وتعاملهم مع بعض المواضيع ويكون في شكل حواري .

المناظرات بين المترشحين:

- يمكن للهيئة العليا المستقلة للانتخابات تنظيم مناظرات بين المترشحين للانتخابات بالتنسيق مع وسائل الإعلام العمومية.
ويمكن لوسائل الإعلام السمعية والبصرية الخاصة بث هذه المناظرات بعد التنسيق مع الهيئة مؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسية. وتتولّى الهيئة ضبط قواعد إجراءات المشاركة في هذه المناظرات صلب مذكرة تفصيلية تصدر للغرض قبل انطلاق الحملة الانتخابية.

تعريف المناظرة

تشير النقطة السابعة من دليل وسائل الإعلام في الفترة والحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية المتعلقة بحضور المترشحين في وسائل الإعلام في تفصيله الخاص للمناظرات بين المترشحين إلى ما يلي: "يمكن للهيئة العليا المستقلة للانتخابات تنظيم مناظرات بين المرشحين للانتخابات بالتنسيق مع وسائل الإعلام العمومية. ويمكن لوسائل الإعلام السمعية والبصرية الخاصة بث هذه المناظرات بالتنسيق مع الهيئة مؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسية وتتولى الهيئة ضبط قواعد إجراءات المشاركة في هذه المناظرات صلب مذكرة تفصيلية تصدر للغرض قبل انطلاق الحملة الانتخابية".

بعد الاتفاق مع مؤسسة التلفزة التونسية على حصص التعبير المباشر واللقاءات الخاصة التي تم نشرها في المخطط التفصيلي لمؤسسة التلفزة ولم يتم في هذا الإطار الاتفاق على تنظيم المناظرة الرئاسية  فإنه في غياب هذه المذكرة التفصيلية المحدد تاريخ إصدارها قبل الحملة الانتخابية يتجلى عدم وجود قرار تنظيم مناظرة رئاسية.

ويوضح دليل هيئة الانتخابات أن إمكانية تنظيم المناظرات تكون بيد الهيئة بعد التنسيق مع وسائل الإعلام العمومية من حيث التزامها في ما يتعلق بحضور المترشحين في مختلف هذه الوسائل لتقوم بكل التحضيرات المضمونية الصحفية والتقنية والإجرائية من ( إعداد صحفي ،محاور أسئلة ، تعقيب ، حضور المترشحين ، التنسيق مع مديري الحملات ، عرض نصوص تنظيمية ، تنظيم الوقت ، استوديو ، إضاءة ، صوت ، ديكور ، إخراج ... ).

المناظرة في رئاسيات 2024

قامت منصة تونس تتحرى بالاتصال أستاذ القانون العام والأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار أيمن الزغدودي الذي أكد لنا أنه تم ذكر عبارة مناظرة أو مناظرات في القرار المشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري المؤرخ في 22 أوت 2019 والمتعلّق بضبط القواعد الخاصة بتغطية الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية بوسائل الإعلام والاتصال السمعي والبصري وإجراءاتها في عشر مناسبات من خلال ستة فصول (الفصل 2 والفصول من 33 إلى 37) في حين تقلص هذا الحيز في قرار الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات عدد 8 لسنة 2018 المؤرّخ في 20 فيفري 2018 المتعلّق بضبط القواعد والشروط التي يتعين على وسائل الإعلام التقيد بها خلال الفترة الانتخابية وفترة الاستفتاء مثلما وقع في 17 جويلية 2024 إلى ثلاث مناسبات عبر فصل واحد وهو الفصل 13 ثاني عشر.
وأضاف الزغدودي أنه قد جاء في القرار الصادر عن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن ضبط قواعد وإجراءات المشاركة في هذه المناظرات سيتم صلب مذكرة تفصيلية تصدر للغرض قبل الحملة الانتخابية، علما وأن الهيئة لم تصدر المذكرة التفصيلية قبل انطلاق الحملة مثلما نص قرارها على ذلك.

وقال الزغدودي إنه في المقابل، تضمن القرار المشترك لسنة 2019 عدة قواعد تفصيلية متعلقة بالقرعة والزامات الصحفيين والصحفيات المشاركين في المناظرات وكيفية إعلام المترشحين بموعدها وحقهم في التظلم في صورة وجود خروقات ، كما تم تقليص دور وسائل الإعلام الخاصة في المناظرات عبر تمكينها فقط من البث دون المشاركة مثلما كان الحال في ظل القرار المشترك لسنة 2019 الذي نص في الفصل 33 على أنه يحق لوسائل الإعلام الخاصة المشاركة لا فقط في بث المناظرات بل أيضا تنظيمها".

في هذا الإطار قامت منصة تونس تتحرى بالاتصال بالناطق الرسمي  باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمد التليلي المنصري الذي أكد لنا أنه تم أمس الاتفاق  مع مؤسسة التلفزة التونسية على حصص التعبير المباشر وتحديد حضور المترشحين حسب القرعة واللقاءات المباشرة للمترشحين ، وبسؤاله عن تنظيم مناظرة رئاسية أكد المنصري أن المسألة تعود للتلفزة التونسية والهيئة لا ترى مانعا في تنظيمها وإذا تم استدعاء الهيئة في عملية القرعة فإنها ستكون حاضرة حسب قوله.

ومن ناحيته أكد لنا الناطق الرسمي بإسم مؤسسة التلفزة التونسية إلياس جراية أن التلفزة نشرت مخططها التفصيلي لتغطية الحملة الإنتخابية لرئاسيات 2024 على موقعها وأشارت في برنامجها إلى أنها مستعدة تقنيا لتنظيم المناظرة بين المترشحين غير أن تراتيب تنظيم المناظرة يكون بيد هيئة الانتخابات ، وأكد أن هناك مذكرة تفصيلية للمناظرة تصدرها الهيئة وشدد على أن المؤسسة جاهزة لإجراء المناظرة ، وأضاف أن القرعة التي تم الإتفاق عليها كانت مخصصة لحصص التعبير المباشر التي ستقوم التلفزة بتنظيمها وببرنامج "لقاء خاص" وعن المناظرة قال إن هناك مذكرة تفصيلية خاصة بها ومخططا خاصا بها نظرا لأن المناظرة تتطلب إجراءات محددة.

تونس والمناظرات الرئاسية

كانت المبادرة بتنظيم مناظرات رئاسية في رئاسيات 2019 أول مبادرة ديمقراطية في العالم العربي بتجميع كل المترشحين للرئاسة التونسية وفتح الباب للأسئلة في معرفة التوجهات العامة للمترشحين الـ 26 وعلى مدى ثلاث ليال تم فتح نقاش في عدد من المحاور الرئيسية، بدأت المناظرات قبل ثمانية أيام من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، وتم توزيع المرشحين على ثلاث أمسيات، 9 السبت و9 الأحد و8 الاثنين سبتمبر 2019 ، على أن تستمر الأمسية الواحدة ساعتين ونصف ساعة تحت عنوان "الطريق إلى قرطاج - تونس تختار" والتي بثت على 11 قناة تلفزيونية بما في ذلك قناتان عامتان وعشرون إذاعة.

خيار ديمقراطي سارت فيه تونس في انتخابات 2019 بفتح الباب للتعبير المباشر لكل المترشحين بحضور فعلي قام فيه عدد من الصحفيين بتوجيه الأسئلة في جملة من المحاور الرئيسية للوقوف على التوجهات العامة في للمترشحين ومجموعة الحلول الضرورية المقترحة من قبلهم إضافة إلى الوقوف في شكل مباشر أمام الشعب التونسي.  خيار تم اعتماده في الانتخابات الرئاسية في دوريها الأول والثاني بمشاركة بين هيئتي الانتخابات والاتصال السمعي البصري ومنظمة "مناظرة" المتخصصة في الاتصال السياسي. لاقت المناظرة التلفزيونية حينها رضا من التونسيين/ات الذين رحبوا بالفكرة واعتبروا أنها تمثل عاملا أساسيا في المنحى الديمقراطي بالبلاد وأنها تفتح الباب لمعرفة المترشحين بصفة أقرب وصورة أوضح قبل التوجه لصندوق الإقتراع. كما اعتبر العديد  أنها كانت بابا مساعدا لقيس سعيد حينها للوصول إلى سدة الحكم.

حاولنا في هذا الإطار الإتصال بمبادرة "مناظرة" فرع تونس لتوضيح المنحى التنظيمي لمبادرة 2019 والتساؤل عن توجه المبادرة إلى هيئة الإنتخابات وطرح فكرة المبادرة مجددا غير أننا لم نتحصل على إجابات بسبب طول الإجراءات في المنظمة في ما يخص التصريحات الخارجية.

وبالاتصال بالخبير في الإعلام والاتصال وعضو مجلس الصحافة منوبي المروكي أكد لنا أن المناظرة هي تناظر بين المترشحين في الانتخابات بشكل مباشر وحضوري للاجابة عن الأسئلة مثلما تم مؤخرا في الانتخابات الأمريكية ما يسمح بتقديم صورة أوضح للناخب لتمكينه من تحديد من سينتخب عبر كشف المقترحات أو القراءات الاصلاحية في البلاد وتقديم معلومات للناخب للاختيار عن دراية، وأضاف المنوبي المروكي أن المناظرة لها تأثير أكبر من البرامج الانتخابية المكتوبة والمنشورة للمترشحين والبيانات وحتى المقالات الصحفية إذ أن للصورة تأثيرا أكثر من المكتوب والمسموع لأن المترشح يتوجه مباشرة إلى الناخب في شكل متلفز مع التركيز على طريقة الخطاب ومحتواه وحركات الجسد وطريقة التصريح والانفعالات لتقديم صورة وانطباع أقرب لدى الناخب.  وأشار المروكي إلى أن المناظرة تمكن الناخب من التركيز على البرامج الانتخابية وتقييم البرامج والوعود الانتخابية ومدى إمكانية تطبيقها على أرض الواقع.

كانت المناظرة التلفزيونية في تونس مبادرة اتسمت بالديمقراطية وفتح باب بين المترشحين والشعب التونسي للوقوف على أهم البرامج التي تقدم بها المترشحون ووعودهم الإنتخابية وقدرتهم على الخطابة والحضور والكاريزما ومدى تقبل الرأي الآخر وضبط الانفعالات خلال  المباشر أمام مرأى ومسمع الشعب التونسي . مناظرة 2019 فتحت المجال لجميع المترشحين للوقوف على قدم المساواة، حيث قدم كل منهم إجاباته وفق توجهاته وبرنامجه على الأسئلة المطروحة في مختلف المحاور. وكانت هذه المناظرة، ولو بشكل غير مباشر، أحد الأسباب التي ساهمت في وصول الرئيس الحالي قيس سعيد إلى سدة الحكم. يبقى السؤال الآن: هل سيتم تكرار هذه المبادرة في انتخابات 2024؟

في انتظار الرد من هيئة الانتخابات ووسائل الإعلام العمومية بشأن إمكانية تنظيم مناظرات في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وفي ظل غياب الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري ووسائل الإعلام الخاصة عن هذا النقاش، سعت منصة "تونس تتحرى" في هذا المقال التفسيري إلى تسليط الضوء على مناظرات الانتخابات الرئاسية  ومدى قانونية هذه المناظرات، أهدافها وأهميتها، واستعراض إمكانية اللجوء إليها مجددًا كما حدث في انتخابات 2019.