تفسيري

هل انتهى مجلس نواب الشعب حتى وإن لم يحل؟

تفسيري

هل انتهى مجلس نواب الشعب حتى وإن لم يحل؟

في الثاني والعشرين من سبتمبر 2021، أصدر رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، الأمر الرئاسي عدد117 لسنة 2021 (المؤرخ في 22 سبتمبر 2021) الذي يتعلق بمجموعة من التدابير الاستثنائية، حيث نص هذا الأمر على مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية على جميع أعضائه مع وضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه. لم يكن هذا الأمر منطلق الجدل الدستوري والقانوني الذي تعيشه البلاد التونسية، فرئيس الجمهورية قيس سعيد قد لمح في العديد من الفترات بأنه غير مقتنع بدستور 2014، فهو يرى فيه نتاجا للاستقطاب السياسي الذي احتد في تونس في أعوام 2013 و2014. بعد 25 جويلية "احتكر" رئيس الجمهورية سلطة تأويل الدستور، مما جعل المسائل الدستورية والقانونية في قلب النقاش العام.


التدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية


مواصلة العمل بتوطئة الدستور وبالبابين الأول والثاني منه وبجميع الأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع هذه التدابير الاستثنائية، إضافة إلى إلغاء الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين

"تولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي و تولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي" حسب الصادق بلعيد



التدابير الخاصة بممارسة السلطة التنفيذية

وإن كان الرئيس قد ذهب في اتجاه مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، فهو لم يتخذ قرار حل البرلمان.


على الضفة المقابلة،  قرر مجموعة من نواب المجلس التوجه لعقد جلسة عامة وجاء هذا عبر الصفحة الرسمية لرئيس مجلس نواب الشعب المجمد راشد الغنوشي.


كل ذلك يجعل مصير مجلس نواب الشعب غير محسوم بعد، فهو لا يعمل ولم يحل بعد. تونس تتحرى تحاول من خلال رصد آراء المتخصصين أن تفصل أكثر مختلف السيناريوهات الممكنة المتعلقة بمصير مجلس النواب ومدى قانونية الدعوات التي أطلقها العديد من النواب بخصوص عقد جلسة عامة وخصوصا حركة النهضة التي أصدرت بيانا يتعلق بهذا الموضوع.

أي قانونية لعقد جلسة عامة ؟

هي خطوة سياسية لا غير، هكذا يصف أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني الدعوة لعقد جلسة عامة من قبل مجموعة من نواب المجلس بعد القرارات التي أعلنها رئيس الجمهورية. بل يرى أن كل دعوة في هذا السياق تعد خطوة غير قانونية إذ يصف الأمر بأنه فعل فيه اغتصاب للقانون.من وجهة نظره" يمكن التفاعل والنقاش بخصوص هل تم تطبيق الفصل 80 من الدستور بالطريقة المناسبة والصحيحة أم لا، لكن الدعوة لعقد جلسة عامة داخل قبة مجلس نواب الشعب يعد قرارا غير قانوني، كما لا يمكن الاعتراض على قرار الرئيس المتخذ بتاريخ 25 جويلية 2021، بسبب غياب المحكمة الدستورية."

أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، الذي كان قال في حوار مع الشارع المغاربي في 28 سبتمبر 2021  "ما نراه من لطميات وصراخ مبالغ فيه وتخوف مما يعتبرونه”خطرا محدقا قادما من قصر قرطاج،” لا وجود له لأن الرئيس لم يشرع بعد في الإصلاحات"، صرح لـ"تونس تتحرى" أن الدعوات التي تتحدث عن استمرارية البرلمان"كلها غير قانونية وغير منطقية وتعتبر هذه الحركة سياسية بالأساس" هو يرى أن "المنظومة التي كانت في مجلس نواب الشعب وعلى رأسها حركة النهضة ورئيسها هم من تتسببوا في ترذيل وانحراف المنظومة السياسية وهو ما جعل سعيد يتخذ هذه الإجراءات لإخراج البلاد من الأزمة السياسية والإقتصادية التي تعيش عليها منذ مدة."

القاضي السابق والمحامي أحمد الصواب قال من جهته إن " كل هذه الدعوات غير قانونية وغير دستورية بل هي مجرد حركة سياسية من أجل إحداث التوازن في المشهد السياسي التونسي لا أكثر."

أي مصير لمجلس نواب الشعب؟

أما في ما يتعلق بمصير مجلس نواب الشعب أفاد اللغماني أن مجلس  نواب الشعب في الفترة الحالة يعد مجمدا، ولكنه يرى أن رئيس الجمهورية لن يحل المجلس في هذه الفترة، لأن في صورة حل المجلس في هذه الفترة لا بد بالضرورة من تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وفي هذه الحالة يقع تنظيم الانتخابات بالقانون الانتخابي والدستور الموجود حاليا، في حين أن ما يذهب إليه سعيد، من خلال الأمر 117، هو إنشاء قانون انتخابي جديد والقيام بالإصلاحات السياسية التي يرغب فيها الرئيس، ثم تمرر هذه الإصلاحات للاستفتاء كما نص على هذا الأمر، وبعد كل هذه العملية يمكن القيام بانتخابات تشريعية وحتى رئاسية والتي يمكن من خلالها اكتساب شرعية ومشروعية أكثر حسب القوانين الجديدة."

وقال اللغماني أن " الخيار الذي اتبعه رئيس الجمهورية قيس سعيد يعتبر الخيار السياسي الأضعف دستوريا مقارنة بالخيارات الدستورية الأخرى، كما يوجد تناقض بين عنوان الأمر 117 الذي اتخذه سعيد مع المحتوى المنصوص به حيث جاء في العنوان تدابير استثنائية والمحتوى هو تنظيم مؤقت للسلط العمومية.."

أما أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد، فقد صرح في علاقة بمصير مجلس نواب الشعب أن "هذه المؤسسة مثل الشمعة وهي بصدد الانطفاء التدريجي حيث ستنطفئ كليا عندما ينهي رئيس الجمهورية وضع كل التدابير الضرورية، وسيقوم سعيد بحل البرلمان عند استكمال واستيفاء كل الشروط."

وأفاد رئيس المحكمة الإدارية السابق والمحامي أحمد الصواب "مصير مجلس نواب الشعب يبقى معلقا من أجل العمل أكثر بحرية، كما أكد أنه توجد 3 فرضيات متاحة أمام قيس سعيد في علاقة بمجلس النواب (حله، تعليقه وإعادته)، بخصوص استئناف العمل به يعد هذا الحل بمثابة الانتحار السياسي، أما بخصوص حله فيعد خرقا جسيما للدستور حسب الفصل 80 وكذلك سيجبر بالدستور على إجراء انتخابات جديد في غضون 90 يوما والفرضية الأخيرة وهي التي اعتمدها سعيد وهي تعليق المجلس والتي تمكنه من المناورة في فترة زمنية محددة"

في نفس السياق، اعتبر رئيس المحكمة الإدارية السابق أن "كل الإجراءات التي أقدم عليها قيس سعيد تعد خرقا جسيما للدستور وللقانون، خصوصا ما أقدم عليه من خلال القراءة للفصل 80 من الدستور التونسي، فمن خلال هذه العملية يمكن لوزير الداخلية أن يجمع القوات الأمنية والقوات العسكرية ويصدر أمرا يلغي به الأمر 117 الذي أصدره رئيس الجمهورية ويتحول بموجبه إلى الحاكم الفعلي بالجمهورية التونسية."

من الصعب أن تتفق كل قراءات أساتذة القانون الدستوري في السياق السياسي والدستوري الخاص جدا، الذي تمر به تونس اليوم، فكل الإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية منذ 25 جويلية 2021، صنعت وجهتي نظر رئيستين، وجهة نظر أولى تعتبر أن ما اتجه إليه الرئيس سليم ومبرر، ووجهة نظر ترى أنه مخالف للدستور وللشرعية، وفي غياب محكمة دستورية تفصل هذا الجدل ليس له إلا أن يستمر. ولكن يتفق المختصون الذين تحدثت إليهم "تونس تتحرى" على عدم قانونية الجلسة العامة التي تمت الدعوة لعقدها. ويبقى مصير مجلس النواب مفتوحا على سيناريوهات متعددة ليس من المرجح أن تكون منها عودته إلى العمل، أما حل البرلمان أو إبقاء تعليقه يبقى بين يدي قيس سعيد.