تفسيري

كيف تتحدد أسعار المنتوجات الأساسية؟ وهل يمكن التحكم في غلاء الأسعار؟

تفسيري

كيف تتحدد أسعار المنتوجات الأساسية؟ وهل يمكن التحكم في غلاء الأسعار؟


من أهم المطالب الشعبية التي رافقت الأحكام الاستثنائية التي أقرها رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد في 25 جويلية 2021 التحكم في الأسعار والتخفيض فيها، فغلاء الأسعار  يؤرق المواطن التونسي سواء تعلق الأمر بالمواد الأساسية المعيشية أو في المواد الثانوية، إذ وصل الارتفاع حد الضعفين أو أكثر في جل المواد المتوفرة في السوق التونسية، غلاء أصبح بسببه المواطن التونسي غير قادر على ضمان أبسط الأساسيات في ظل شبح المضاربة والاحتكار، فهل يمكن التحكم في هذا الغلاء؟ وماهي الآليات المعتمدة في هذا التدخل؟


التحكم في الأسعار هو مجموعة من القيود التي تضعها الدولة على التجار للحفاظ على الأسعار بحيث لا يُعتمد على الفوائد والخدمات في السوق، لمنع زيادة الأسعار أثناء النقص أو عند التضخم البطيئ ويوضع أيضاً حد أدنى للأجور.


تخضع سياسة الأسعار في تونس للقانون عدد 64 لسنة 1991 الذي أقر مبدأ حرية الأسعار، غير أنه وباعتبار وضعية المنافسة وحساسية بعض المنتوجات نص القانون المذكور على استثناء لمبدأ حرية المنافسة وذلك باعتماده لنظامين :


.1    نظام المصادقة الإدارية للأسعار : التحديد المسبق للأسعار من قبل الإدارة.
.2    نظام المصادقة الذاتية للأسعار : ضبط الأسعار من قبل المؤسسة بناء على تكاليف الاستغلال أو الإنتاج واعتماد هامش ربح محدد من قبل الوزير المكلف بالتجارة.


حدد الأمر عدد 1996 لسنة 1991 المؤرخ في 23 ديسمبر 1991 المتعلق بالمواد والمنتوجات والخدمات المستثناة من نظام حرية الأسعار وطرق تأطيرها كما تم تنقيحه بالأمر عدد 59 لسنة 1993 المؤرخ في 11 جانفي 1993 والأمرعدد 1142 لسنة 1995 المؤرخ في 28 جوان 1995، ثلاث قائمات لهذه المواد والمنتوجات والخدمات :
 

 ⦁  القائمة  أ : قائمة المنتوجات والخدمات الخاضعة لنظام المصادقة الإدارية للأسعار في كل المراحل (الخبز المدعوم الفارينة والسميد الغذائي المدعومين ، الكسكسي والعجين الغذائي المدعومين ، الزيوت النباتية المدعومة ، السكر المدعوم ، الورق والكراس والكتاب المدرسي المدعومين ، شاي ، المحروقات بما فيها الغاز السائل ، الكهرباء والماء والغاز ، تعريفات نقل المسافرين ، الأدوية والخدمات الطبية ، الحليب المجفف المدعوم ، تعريفات خدمات البريد والهاتف ، التبغ والوقيد والكحول ، تعريفات الخدمات في الموانئ).


 ⦁  القائمة  ب : قائمة المنتوجات الخاضعة لنظام المصادقة الإدارية للأسعار في مرحلة الإنتاج (ملح ، خميرة الخبز ، قلي وطحن القهوة ، الجعة ، البراميل المعدنية واللف المعدني ، السيارات ، الإسمنت والجير الإصطناعي وحديد البناء ، الغاز المضغوط).


⦁  القائمة  ج : قائمة المنتوجات الخاضعة لنظام المصادقة الذاتية للأسعار في مرحلة التوزيع (الأرز والقوارص عنب الطاولة والتمور ، غلال وفواكه مختلفة ، البطاطا والطماطم والفلفل والبصل ، خضر أخرى ، الدواجن ، البيض، النخالة ومستخرجات المطاحن ، الزبدة ، معجون الطماطم ، القهوة المطحونة وخمائر الخبز ، الجعة ، اسمنت صناعي) .


إضافة إلى هذه الاستثناءات أقر المشرع (الفصل الرابع من قانون المنافسة والأسعار) للوزير المكلف بالتجارة، إمكانية اللجوء إلى تحديد أسعار المواد والخدمات المتمتعة بحرية الأسعار ولمدة لا تتجاوز ستة أشهر ، وذلك لمقاومة الزيادات المشطة في الأسعار .


التضخم عند الإستهلاك العائلي وارتفاع الأسعار

نشر المعهد الوطني للإحصاء يوم 5 أكتوبر 2021 مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي لشهر سبتمبر 2021 مقارنة بشهر أوت من السنة نفسها إذ شهد المؤشر ارتفاعا بنسبة 0,6% بعد الاستقرار الذي شهده خلال الشهر الفارط. ويعود هذا التطور بالأساس الى الارتفاع المسجل في أسعار المواد الغذائية بنسبة 1,3% وأسعار مواد وخدمات التعليم بنسبة 4,0% ، وشهد مؤشر مجموعة التغذية والمشروبات ارتفاعا بنسبة 1,3% مقارنة بالشهر المنقضي. ويعود ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 8,1% وأسعار البيض بنسبة 5,4% وأسعار زيت الزيتون بنسبة 2,2% وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 1,7% والأسماك الطازجة بنسبة 1,6% والخضر الطازجة بنسبة 1,3%.

وفي المقابل شهدت أسعار لحم الضأن وأسعار لحم البقر تراجعا على التوالي بنسبة (- 1,6%) و(-0,7%).
وسجلت نسبة التضخم عند الاستهلاك استقرارا في حدود 6,2% بعد التراجع الذي شهدته خلال الشهر الفارط ب 0,2 نقطة،
وباحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7,2%. ويعود ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 24,0% وأسعار زيت الزيتون بنسبة 21,9% وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 18,1% وأسعار البيض بنسبة 11,9% وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 9,4%. وفي المقابل تجدر الإشارة الى تراجع أسعار لحم الضأن وأسعار لحم البقر على التوالي بنسبة (- 4,3%) و(-2,2%).



وسجل التضخم الضمني لشهر سبتمبر 2021 أي التضخم دون احتساب الطاقة والتغذية ارتفاعا طفيفا الى مستوى 6,0% بعد ان كان في مستوى 5,9% خلال شهر جويلية 2021. وشهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعا بنسبة 6,0% مقابل 6,7% بالنسبة للمواد المؤطرة، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 7,8% مقابل 4,4% بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.




الاحتكار والمضاربة والتهريب من الأسباب

تشهد  البلاد التونسية ارتفاعا في أسعار بعض المواد وخاصة الغذائية منها ويعود ذلك إلى عدة عوامل أساسية أهمها الاحتكار والمضاربة والتهريب وغياب المراقبة الاقتصادية لمسالك التوزيع.
⦁    الاحتكار : هيمنة شركة أو أشخاص معنويين أو طبيعيين على منتوج معين والتحكم فيه وفي وجوده بالأسواق من خلال ممارسات مانعة للمنافسة، كما يُعرَّف الاحتكار التام على أنّه الحالة التي يتحكّم فيها مُورِّد واحد بما نسبته 25% أو أكثر من سوق منتج معين أو خدمة معينة للتفرد بالسوق وفرض الأسعار.
⦁    التهريب : هو إدخال البضائع إلى البلاد أو إخراجها منها بصفة غير شرعية دون اداء الرسوم الجمركية، والرسوم والضرائب الأخرى كليا اوجزئيا أو خلافا لاحكام المنع والتقييد الواردة في القانون في تجارة ببضاعة غير مشروعة.

الرقابة الاقتصادية.. هل تكفي؟

من بين الحلول الموجودة اليوم في تونس للحد من ارتفاع الأسعار تكثيف الرقابة الإقتصادية على المصانع والمخازن والأسواق .
وقد أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ 25 جويلية على بعض الزيارات التفقدية حيث تنقل مساء يوم السبت 28 أوت 2021، إلى منطقة بئر مشارقة من ولاية زغوان بعد قيام وحدات الحرس الوطني وفريق المراقبة التابع لوزارة التجارة وتنمية الصادرات بحجز 30 ألف طن من مادة الحديد مخزنة بغرض المضاربة.


ودعا رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال إشرافه على أعمال المجلس الوزاري بتاريخ 28 أكتوبر 2021 إلى تشديد المراقبة المستمرة لمسالك التوزيع حتى يقع التصدّي لكلّ مظاهر الاحتكار والمضاربة.

وقد نشرت وزارة التجارة وتنمية الصادرات حوصلة لأهم نتائج نشاط المراقبة الاقتصادية لشهر سبتمبر من سنة 2021 ، عدد الزيارات الرقابية:41129 زيارة.عدد المخالفات: 5511 مخالفة موزعة كالتالي:
1502 مخالفة في التجاوزات السعرية والاحتكارية (27%)،3874 مخالفة في شفافية ونزاهة المعاملات (70%)، 135 مخالفة في التلاعب بالدعم (3 % ).


1918 مخالفة في المنتجات الفلاحية والبحرية الطازجة (35%)، 1213 مخالفة في المواد الغذائية العامة (22 %)، 407 مخالفة في المخابز والمطاعم والمقاهي (07%) 1973 مخالفة في المواد الصناعية المختلفة (36%)
وأطلقت الوزارة إضافة إلى ذلك برنامجا استعجاليا للمراقبة في قطاع الخضر والغلال بداية من 15 أكتوبر 2021 في إطار تنفيذ التوصيات الرئاسية والحكومية حول التحكم في أسعار المواد الاستهلاكية ومكافحة مختلف مظاهر المضاربة والاحتكار.

كما قامت وزارة التجارة من ناحية أخرى في إطار التحكم في أسعار بعض المواد الحساسة والأساسية التي شهدت زيادات مشطة، خلال هذه الفترة بالتدخل في تحديد أسعار قصوى وهوامش ربح عند توزيع مادتي البيض المعهد للاستهلاك والأسماك بداية من تاريخ 25 أكتوبر 2021، بهامش ربح الجملة : 5 مليم/ البيضة وهامش ربح التفصيل:10 مليم/ البيضة. أسعار البيع القصوى للعموم: 980 مليم للأربع بيضات في جميع الحالات ، الأسماك : هوامش الربح الخام القصوى عند البيع بالتفصيل للأسماك 30 % إذا كانت أسعار الشراء دون 5.000 د /الكلغ  و-25 % إذا تجاوزت أسعار الشراء 5.000 د/كلغ.


ومن خلال أغلب التحاليل تبقى الزيارات الرقابية غير كافية للحد من ارتفاع عمليات المضاربة والاحتكار والتهريب لذا فمن الضروري تكثيف عمليات المراقبة الاقتصادية لمزيد التحكم في الأسعار والحد من ارتفاعها المخيف في البلاد التونسية والذي يؤثر على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي.