الكاتب :أيوب ضيف الله
صحفي متحصل على شهادة الماجستير في الصحافة متعددة المنصات، مهتم بالميديا الجديدة والشأن السياسي
هل أن وجود الدستور من عدمه هو ما يحدد إن كان البلد ديمقراطيا؟
هل أن وجود الدستور من عدمه هو ما يحدد إن كان البلد ديمقراطيا؟
صرح رئيس الجمهورية قيس سعيد، بتاريخ 15 جانفي 2022، أن من المفارقات في البلدان العربية أنه كلما غاب الدستور تزداد الحريات وبعد وضع الدستور في هذه الدول يبدأ الاستبداد في هذه الدول باسم الدستور، وكان هذا التصريح خلال إشراف رئيس الجمهورية قيس سعيد، على اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في نفس التاريخ حيث قال هذه المعلومة على النحو التالي "لماذا لم يؤسسوا لها في سنة 2015، (المحكمة الدستورية) عندما تم إصدار النص المتعلق بها، يتباكون على الدستور مازلت كل الحقوق والحريات موجودة، ومن المفارقات في البلاد العربية عموما أن كل ما يغيب الدستور تزداد الحريات، حيث يوجد شيء غير طبيعي في هذا، ويتم الاحتفال بإنجاز الدستور عن طريق الألعاب النارية، وبعد باسم الدستور يبدأ الاستبداد، وهذا ينطبق كذلك على المحكمة الدستورية" جاء هذا التصريح في الفيديو المنشور بالصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية في الدقيقة 22، ومن هذا بحث فيما اذا كان وجود الدستور هو محدد للممارسة الديمقراطية؟
لماذا يتم إنشاء دستور في دول العالم؟ وهل توجد دول ليس لها دستور؟
يعتبر الدستور هو المحدد الأول لماهية الدولة حيث يتم تصنيفه في أعلى الهرم القانوني الذي من خلاله يتم اعتماد مجموعة من القواعد والقوانين التي تضبط العقد السياسي، القانوني والاجتماعي للدولة، ويعتبر الدستور العقد الاجتماعي حسب "جان جاك روسو" بين السلطات والأفراد ومرجعية المجتمع، ومصدر شرعية الدولة تجاه المواطنين.
إن الدول تقوم بإنشاء دستور من أجل تنظيم العمل للمؤسسات داخل الدولة، وضمان حقوق الافراد من خلال هذه الوثيقة فهنالك صنفان من الدساتير في العالم الدستور المكتوب، وهو وثيقة مكتوبة تكون المحدد والمرجع لكل الأفراد والمؤسسات داخل هذه الدولة، وحسب تصريح أستاذة القانون الدستوري منى كريم "الدول التي ليست لها تقاليد في الديمقراطية قامت باعتماد دستور مكتوب وهيا كوسيلة لحماية الحريات، وكوسيلة لتقيد السلطة الحاكمة." اما الصنف الثاني فهو الدستور العرفي المعتمد في المملكة المتحدة وفي هذه الوضعية قالت كريم أن "في هذه الحالة هنالك نصوص أخرى تنظم الحريات، مثل ميثاق الحريات أو وثيقة الحريات "Bill of rights" حيث توجد نصوص تنظم الديمقراطية والحقوق والحريات في بريطانيا، لكن لا يوجد نص دستور مكتوب في هذه الدولة، فالدستور هو عرفي يقوم على الممارسات وعلى التقاليد."
وبالسؤال هل توجد دول لا تمتلك لا دستور مكتوب ولا عرفي أكد أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني أنه " توجد دول مثل المملكة العربية السعودية، وبريطانيا، والكيان المحتل، لا تمتلك دساتير مكتوبة من قبل السلطة السياسية أو مجلس تأسيسي، فالمملكة العربية السعودية لها تنظيم سلط لا دستور ولهم قانون أساسي، وليس لهم دستور بالمعني الشكلي، لكن الدستور العرفي الوحيد هو عند بريطانيا."
كيف يمكن لدولة أن تكون ديمقراطية؟ وهل الدول التي لا تمتلك دستور مكتوب هي بالضرورة دول ديمقراطية؟
بخصوص المعاير المعتمدة لدولة ديمقراطية قالت أستاذة القانون الدستوري منى كريم "الديمقراطية مرتبطة بممارسة وعقلية، وبالتالي فإن الدول التي تمتلك عقلية راسخة في الديمقراطية كقيمة من قيم الكونية، هم ليسوا بحاجة لدستور مكتوب، يعني الممارسة فقط هي التي تفرض القيم الديمقراطية، في حين أن الدول التي ليست متمرسة في الديمقراطية يتم اعتماد دستور مكتوب فيها كوسيلة لحماية الحريات وتقيد السلطة الحاكمة، أي من الناحية النظرية الدستور كان وسيلة لتحقيق الديمقراطية وهو غير كافي أيضا لتحقيق هذا الهدف."
في نفس السياق صرح سليم اللغماني بخصوص تحديد ما اذا كانت دولة ما ديمقراطية أم لا قال " الدستور كنص مكتوب ليس محددا ... المحدد الرئيسي لديمقراطية الدولة هو بالأساس تعددية فعلية أي القبول بتواجد تيارات سياسية مختلفة وبالقانون، وتمتلك هذه التيارات حقوق سياسية وحقوق إنسان فعلية أي ليست بنص مكتوب فقط، ويمكن معرفة هذه المعاير بالملاحظة البسيطة." وأضاف في علاقة بترابط الديمقراطية بالدستور بعض الأمثلة "إن الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين كان له دستور وكان يعتمد نظام فيدرالي لكن لم يكن نظاما ديمقراطيا، وفي الجانب الآخر بريطانيا لا تمتلك دستورا مكتوبا لكنها من أفضل الديمقراطيات في العالم، فالدستور والنص ليس المحدد الأساسي للديمقراطية، فالقانون هو ليس برهانا على وجود ديمقراطية وليس برهانا على انعدامها."
في علاقة بالدول التي لا تمتلك دستورا مكتوبا والقول بانها دول ديمقراطية حسب ما صرح به رئيس الجمهورية قيس سعيد، فان هذا المعيار غير دقيق فمثال على هذا وحسب مؤشر الديمقراطية الصادر عن "The Economist intelligence Unit, Democracy Index" معدل ديمقراطية المملكة العربية السعودية التي ليس لها دستور خلال سنة 2020، يتمثل في 2.08 وتحتل المرتبة 156 عالميا من مجموع 167 دولة في حين تعتبر دولة الأردن التي لها دستور في المرتبة 118 عالميا من مجموع 167 وبمعدل 3.62 وهي أفضل من السعودية، أما دولة بريطانيا والتي لا تمتلك دستورا مكتوبا تحتل المرتبة 16 عالميا من 167 دولة بمعدل 8.54 وإذا قارنها بفرنسا التي تمتلك دستورا ودولة السويد فسنجد أن فرنسا في المرتبة 24 عالميا من 167 وبمعدل 7.99 والسويد في المرتبة 12 عالميا من 167 بمعدل 8.83 وهي أفضل من بريطانيا وفرنسا.
ختاما وحسب هذه المعطيات من الخبراء في القانون الدستوري وقاعدة البيانات المتوفرة من خلال مؤسسة "The Economist Intelligence" يمكن ان نستنتح ان وجود الدستور او غيابه ليس هو المحدد الأساسي للديمقراطية مكتوبا كان ام عرفيا، بل إن الممارسات والقيم التي تكمل الدستور لها دور هام في تحديد ما اذا كانت هذه الدولة ديمقراطية أم لا.
الكاتب :أيوب ضيف الله
صحفي متحصل على شهادة الماجستير في الصحافة متعددة المنصات، مهتم بالميديا الجديدة والشأن السياسي