الكاتب :أيوب ضيف الله
صحفي متحصل على شهادة الماجستير في الصحافة متعددة المنصات، مهتم بالميديا الجديدة والشأن السياسي
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.. كيف يساعد الدولة على خلق مواطن شغل؟ ولماذا لم يفعّل بعد؟
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.. كيف يساعد الدولة على خلق مواطن شغل؟ ولماذا لم يفعّل بعد؟
تحدث رئيس الجمهورية قيس سعيد عما أسماها الشركات الأهلية في أكثر من مناسبة، هي شركات من صنف جديد -حسب قوله- ستساعد الدولة التونسية على تقليص نسب البطالة وخلق مواطن شغل جديدة للعديد من التونسيين وستمكن من تحريك الركود الاقتصادي في العديد من جهات البلاد، خاصة منها تلك التي تعاني أزمة اقتصادية. ولعل أبرز تصريح للرئيس بخصوص هذا الموضوع كان بتاريخ 28 أكتوبر 2021، حيث قال إنّ “المشروع جاهز يقتضي فقط بعض المراجعات."
اختلفت الآراء حينها وطرحت العديد من الأسئلة حول ماهية الشركات التي يتحدث عنها رئيس الجمهورية، وإن كان المقصود من هذه الشركات الأهلية قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب قبل أن يتم تعليق أعماله أم هو خيار آخر يطلقه رئيس الجمهورية، لكن الإجابة على كل هذه الأسئلة أتت بتاريخ 2 ديسمبر 2021، عندما صرح الرئيس قيس سعيد خلال اجتماع لمجلس الوزراء أن "الشركات الأهلية التي تحدثت عنها هي موجودة تقريبا في جمنة، حيث لم يتمكنوا من الحصول على غطاء قانوني أجبرهم بعد ذلك إلى الالتجاء للجمعيات، وكان هذا الاطار القانوني الوحيد الذي ساعدهم على مواصلة العمل، وما طرحته تقريبا هو المتعلق بتجربة جمنة."
فماهو الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ وكيف يساعد الدولة على خلق مواطن شغل وإعادة إحياء تلك المناطق التي اعتمدت هذا المنوال خيارا اقتصاديا؟
عرف القانون التونسي الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بكونه منوالا اقتصاديا يتكون من مجموع الأنشطة الاقتصادية ذات الغايات الاجتماعية المتعلقة بإنتاج السلع والخدمات وتحويلها وتوزيعها وتبادلها وتسويقها واستهلاكها التي تؤمنها مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، استجابة للحاجيات المشتركة لأعضائها والمصلحة العامة الاقتصادية والاجتماعية ولا يكون هدفها الأساسي تقاسم الأرباح.
ويهدف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني إلى: "تحقيق التوازن بين متطلبات الجدوى الاقتصادية وقيم التطوع والتضامن الاجتماعي.
وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثورة، هيكلة الاقتصاد غير المنظم وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي وتحسين جودة الحياة."
هذا ما جاء في القانون التونسي المنشور بتاريخ 30 جوان 2020 بالرائد الرسمي، لنفهم أكثر اتصلنا برئيس جمعية حماية واحات جمنة التي تعتبر من أهم التجارب التي شهدتها تونس في علاقة بهذا النمط الاقتصادي، مما جعل رئيس الجمهورية يستشهد بهذه التجربة لتفسير الصيغة الجديدة للقانون الذي يرغب في إحداثه. طرحنا السؤال على رئيس الجمعية طاهر الطاهرى، كيف انطلقت هذه الفكرة وفي ظل أي ظروف؟.
"في الحقيقة منذ الاستقلال، يحاول سكان منطقة جمنة إيجاد حل للواحة الموجودة في المنطقة وهي واحة تعود لأجدادنا وهذا حسب الوثائق التي نمتلكها، افتكها منا الاستعمار وبعد الجلاء الزراعي وتجربة التعاضد تم التفويت في هذه الأرض لشركة "ستير" حيث تم كراء الضيعة في صفقة بالمراكنة لمستثمرين (عبد الله بن عامر وشرف الدين الزوتيني) بمبلغ 16 ألف دينار لقطعة تمسح 175 هكتار، وفي تاريخ 12 جانفي 2011، تحول الشباب في ظل الحراك الثوري في تلك الفترة للمراكز التي تمثل السلطة، وفي منطقة جمنة لا يوجد سوى مركز للحرس تم حرقه خلال هذه الأحداث وهذه الأرض، تم افتكاك هذه الأرض وطرد المستثمرين وبعد ذلك تكونت العديد من لجان حماية الثورة وهي التي أشرفت على الضيعة، وفي تلك الفترة كنا مطالبين بتذكير النخل وكانت هذه العملية تطلب أموالا للقيام بها، قمنا باقتراض مبلغ 120ألف دينار من تاجري التمور وقمنا بتجميع مبلغ يقدر بـ34 ألف دينار من سكان المنطقة، وكان هذا الموسم بمثابة التحدي لنا من أجل النجاح وإرجاع الأموال لصاحبها حيث عمل أغلب الأطراف في هذه الفترة تطوعا، نجحنا في هذا الموسم حيث قمنا ببيع الصابة في تلك السنة بمبلغ يقدر بألف مليون دينار."

من هنا انطلقت رحلة تجربة جمنة حيث وبحسب رئيس جمعية الواحات طاهر الطاهري قاموا بالعديد من الاستثمارات والأعمال الاجتماعية والاقتصادية في جهة جمنة " خلال السنوات الأولى للعمل كل المرابيح كانت تعود للواحة ولأجور العاملين في تلك الواحة وعددهم 162 عامل وهم سكان جمنة، من أجل تطويرها وتحسين مردودية الإنتاج وشراء العديد من المعدات الفلاحية، تم زراعة ما يقارب 2500 نخلة جديدة وهي في طور الإنتاج في هذه المرحلة، وبقية الهيئة التسييرية لهذا المشروع تعمل تطوعا مع انشاء بناية في هذه الأرض تمثل الإدارة المشرفة على الواحة."
أما بخصوص الإنجازات في الجانب الاجتماعي لهذه الجمعية فقد قال الطاهري " قمنا ببناء قاعات درس في مدرستين في جهة جمنة وشراء تجهيزات إعلامية لكل من المعهد والمدرستين، كما قمنا باقتناء معدات للاتحاد التونسي لإعانة الأشخاص القاصرين ذهنيا في جهتنا، بنينا ملعبا معشبا في جمنة ومداخيل كراء الملعب تعود للجمعيات التي تنشط في الرياضة في المنطقة وبناء سوق مغطاة للتمور، كل هذه الإنجازات تعود للسلط المشرفة مثال السوق يعود بالنظر لبلدية جمنة ومبلغ كراء السوق يعود لها من أجل تحسين الأوضاع في المنطقة، حتى في الجائحة الصحية لفيروس كورونا قمنا بإعانة المستشفى الجهوي لقبلي بمعدات تقدر بتسعة آلاف دينار، قمنا بإعانة الفرق الرياضية والمهرجانات الثقافية، كما توجد جمعية خيرية في جمنة لإعانة الحالات المستعجلة نقوم بتمويلها لاعانة المواطنين، ونقوم بإسناد منح جامعية شهرية لأبناء المنطقة وعددهم تقريبا 26 طالب وطالبة."
رغم كل هذه الانجازات والنجاحات، يعتبر الطاهري أن السلطة السياسية مازالت لا تعترف بهذا المشروع وفي بعض الأحيان حتى تقوم بعرقلته وكان هذا من خلال التضييق على الحسابات المالية للجمعية وأضاف"نحن دعاة حوار" حيث قاموا بمقابلة كل وزراء أملاك الدولة والفلاحة منذ الثورة إلى حدود هذه اللحظة من أجل وجود حل توافقي للطرفين يمكنهم من تطوير المشروع أكثر، وحتى بعد صدور قانون الاقتصاد الاجتماعي في تونس لم يتم اعتماده بعد نظرا لأن الأوامر الترتيبية لهذا القانون لم تصدر بعد وبقي حبرا على ورق، وقال الطاهري إن "الإشكال لا يزال قائما لحد هذه اللحظة ويجب إمضاء اتفاق مع الدولة من أجل عدم اعتبارنا مستحوذين على أرض دولية مساحتها 306هكتار على الورق ونحن نستعمل سوى 185 هكتار وجزء منها يقدر ب 74 هكتار، لدينا حكم من المحكمة برفض تسجيلها كأرض دولية بتاريخ فيفري 2004، نحن لا ننازع الدولة في ملكيتها لهذه الأرض وطلبنا الوحيد بخصوص هذا الموضوع أن نكتريها من الدولة بالمبلغ الذي تقترحه الدولة."

وقال الطاهري بخصوص هذه الوضعية الضبابية للقانون ولعمل الجمعية في هذه الفترة "نحن نعتبر أن تجربة جمنة هي وراء صدور قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ونحن في هذه الظروف لا يمكن لنا تطوير عملنا أكثر، وفي صورة وجود قانون يمكننا من الاستثمار والعمل أكثر أنا أضمن أن يتم إنشاء مصنع للتمور في جمنة يمكن من تشغيل عشرات العاملات والعمال في، وإطلاق متحف سياحي واحي في المنطقة وغيرها من المشاريع، لدينا آفاق واسعة من خلال هذه التجربة ويبقى العائق في إنشائها وجود غطاء تشريعي يحمينا ويمكننا من التوسع والعمل أكثر."
بخصوص الجانب القانوني والعملي لهذا المشروع، اتصلنا بلطفي بن عيسى الأستاذ الجامعي المختص في المالية العمومية والمنسق العلمي للمبادرة التشريعية المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني للاتحاد العام التونسي للشغل، حيث شارك في كل أطوار ومراحل صياغة القانون منذ انطلاقه بمجلس نواب الشعب وصولا الى التنسيق الحالي مع الوزارات المعنية بإصدار الأوامر الترتيبية لتفعيل هذا القانون، وبالسؤال لماذا لم يتم إصدار الأوامر الترتيبية لقانون الاقتصاد الاجتماعي التضامني قال بن عيسى أنه "لكي يصبح القانون الصادر في جوان 2020، والمتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني تطبيقيا يجب على الدولة إصدار 6 أوامر ترتيبة وعدد معين من القرارات الوزارية، وتتمثل في:
أمر متعلق بعلامة مؤسسة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
أمر يتعلق بالمجلس الأعلى للاقتصاد الاجتماعي والتضامني وهو ذو صبغة استشارية.
أمر يتعلق بالهيئة التونسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وهي هيكل عمومي تمثيلي.
أمر يتعلق بامتيازات مالية وجبائية للمؤسسات المتحصلة على علامة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
أمر يتعلق بمنح حصة في الصفقات العمومية لفائدة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
أمر يتعلق بالقانون الأساسي النموذجي المتعلق بالبنوك التعاضدية.
بالإضافة لكون كل مكون من مكونات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني له قانون نموذجي وأوامر تطبيقية للتفعيل القانون، يجب تعديل العديد من القوانين القديمة وفقا لقانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مثل قانون الجمعيات، والتعاونيات الفلاحية وغيرها من القوانين. ولكن يرى أنه بقطع النظر على هذه الأوامر والقوانين من بين الاسباب التي عرقلت تفعيل هذا القانون هو غياب الاستقرار السياسي في الحكومات."
في علاقة بالقيمة المضافة لهذا القانون وكيف يمكن للدولة وللمواطنين أن يستفيدوا من هذا القانون قال بن عيسى أن" هنالك العديد من المشاريع التي تنشط في تونس مثل جمنة وغيرها في إطار العمل الجمعياتي، ومن هنا يمكن اعتبار أن مرحلة الانطلاق استنادا لهذه المؤسسات عنصر هام، بالإضافة لكون الدولة التونسية تحمل هذا المشروع الاقتصادي منذ الاستعمار من خلال محمد على الحامي، ثم القانون الاقتصادي الذي أعده الاتحاد العام التونسي للشغل في السنة الأولى للاستقلال وصولا لتجربة التعاضد وما كان يعرقل نجاح هذه المشاريع هي حرية التصرف التي تعود في كل هذه التجارب إلى الدولة، ومن هذا المعطى تم البناء على عدم تكرار هذا الفشل."
كما أكد في علاقة باستفادة المواطن من هذا القانون إنه " خلال العمل على هذا المشروع وفي مرحلة الصياغة في مجلس نواب الشعب كانت لي الفرصة للحديث مع العديد من الشبان في كل مناطق الجمهورية، وكان العامل المعرقل لإطلاق الشباب لمشاريعهم هو البيروقراطية الإدارية والضمان الذي يشترطه عليهم البنك التونسي للتضمان، ومن خلال هذا القانون سنمكن خصوصا الشباب من العمل في إطار اقتصاد اجتماعي وتضامني يعود بالنفع على كل العاملين فيه ثم المنطقة التي تم بعث المشروع فيها، وأخيرا القطاع الذي تشتغل فيه هذه المؤسسة مستقبلا، وحسب العديد من المقترحات التى سمعتها من خلال العديد من الشباب الذين أرادوا بعثها هناك العديد من الأفكار الهامة والجيدة في مختلف جهات تونس."
بالنسبة إلى لطفي بن عيسى، لضمان مردودية وفاعلية هذا القانون الذي سيمكن الدولة من العديد من المرابيح المتعلقة بدورها الاجتماعي والاقتصادي من الضروري حسب قوله أن يبقى هذا القانون بمعزل عن هيمنة الدولة أو غيرها من المنظمات الأخرى وأن تتوفر بالخصوص لجنة علامة المؤسسة (المشار لها ضمن الأوامر الترتيبية لقانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني) على الحياد عن الدولة وأي سلطة سياسية كانت وكذلك بمعزل عن الأطراف الأخرى المتداخلة في هذه اللجنة.
الكاتب :أيوب ضيف الله
صحفي متحصل على شهادة الماجستير في الصحافة متعددة المنصات، مهتم بالميديا الجديدة والشأن السياسي