هل أن زيادة الأدينوزين ونقص الدوبامين من مسبّبات حشيشة رمضان؟

من منا لم يشهد منذ بداية رمضان شجارا بين اثنين في الطريق العام أو شهد  مشاحنة بين أشخاص في أحد الصفوف في مساحة تجارية كبرى أو حتى بين زملاء في العمل كانوا في العادة أصدقاء !

أتكون هذه المظاهر بسبب ما يعرف بــ"حشيشة رمضان" هذا المصطلح العاميّ الذي كثيرا ما نسمعه بل ونشاهده في  كل الأماكن المحيطة بنا في شهر رمضان، حيث تزداد العصبية وحدة التوتر والانفعالات التي قد تتسبب في شجارات لأقل الأسباب، ويرجع غالبية الناس السبب للصوم. وعما يعرف بـ"حشيشة رمضان"، انتشر مؤخرا فيديو على موقع تيك توك لفتاة تتحدث عن هذا الموضوع تحديدا وتقول الفتاة في الفيديو " توجد في أجسادنا مادة اسمها الأدينوزين يتم إفرازها من الخلايا العصبية وهي المسؤولة على الإحساس بالخمول والنوم، ومادة الكافيين الموجودة في القهوة والشاي والشوكولاطة السوداء لديها نفس هيكلة الادينوزين يعني أنها تلتصق على نفس المستقبلات العصبية لكنها تمنعهم من القيام بوظائفهم العادية، لهذا السبب تعد القهوة من المنبهات والمنشطات وعندما نتعود على شربها ونتوقف عن ذلك فجأة في شهر رمضان، فإن مادة الأدينوزين تعطي مفعولا قويا فيصبح الشعور بالخمول والرغبة في النوم أكبر إضافة إلى الصداع والشعور بالقلق والغضب.

وتحتوي السجائر على مادة النيكوتين التي تلتصق في المستقبلات العصبية للمخ وعند التوقف عن التدخين فجأة في رمضان ينجر عن ذلك نقص إفراز مادة الدوبامين المسؤولة عن تحسين المزاج ما ينجر عنه الغضب والقلق وقلة التركيز وعسر الهضم.. "

حاولت "تونس تتحرى" التدقيق في صحة كل ما جاء في هذا الفيديو والوقوف في هذا المقال على الأسباب العلمية التي قد تكون وراء "حشيشة رمضان" وما إذا كان الصوم هو السبب الحقيقي وراء هذه العصبية والانفعال؟

لماذا يؤثر نقص الكافيين يؤثر مزاجنا؟

القهوة كانت موردا للطاقة قبل اختراع الكهرباء!  هذا ما جاء في مقال شيّق عن الكافيين وتأثيره على أجسادنا نشرته جريدة LE Figaro  في ملحقها الصحي، لكن كيف يمكن لهذا المشروب أن يحسن مزاجنا ويبقينا مستيقظين؟ فبمجرد ابتلاع المشروب، تمتص الأمعاء الكافيين تماما ويمر بسرعة إلى الدم ويصل إلى الدماغ بعد بضع دقائق من تناوله ويبلغ ذروة تركيزه بعد ساعة. يتخلص الجسم من نصف الكمية التي يمتصها من الكافيين بعد فترة تتراوح بين 4 و 6 ساعات من تناوله.

وخلال الساعات التي يقضيها الكافيين في أجسادنا، يعمل في الدماغ على مستوى الخلايا العصبية لدينا، عبر التصاق الجزيئات الكيميائية بمستقبلات موجودة على سطح هذه الخلايا العصبية ، وتشبه Le Figaro Santé الخلية العصبيّة والكافيين  بالمفتاح والقفل ففي حال أخذ كمية من الكافيين، فإن الجزيء المكون للكافيين الذي يشبه الجزيء الذي يتوقعه المستقبل سوف يلتصق به  عوضا عنه، دون نقل الرسالة المقصودة: يدخل المفتاح القفل ولكنه يتعطل ولا يستطيع فتحه فيطلق عليه علميا "المضاد" ، وهذه هي بالضبط طريقة عمل الكافيين في الدماغ: إنه يحل محل جزيء يشبهه، يسمى الأدينوزين.

ويعتبر الأدينوزين من الفضلات، ليس بالمعنى السلبي للكلمة لأنه مفيد للغاية، ولكن لأنه يأتي من تحلل عنصر ثالث  وهو أدينوزين ثلاثي الفوسفات الذي بفضله يعمل الجسم على تحريك العضلات والإحماء والهضم والتفكير. فكلما زاد استخدام الجسم للطاقة، كلما زادت الحاجة إلى أدينوزين ثلاثي الفسفاط للراحة وتجديد الطاقة فيطلق المخ الأدينوزين الذي ينبّه الجسم بأن وقت النوم قد حان من خلال بعض الإشارات التي يطلقها للجسم على غرار التثاؤب، والنعاس، ورفرفة الجفون. وعندما نشرب القهوة يعوض الكافيين الأدينوزين فيختفي الشعور بالنوم  والجسم يبقى مستيقظا في حالة تأهب. ثم يتم إنتاج الأدرينالين بشكل جماعي، وينبض القلب بشكل أسرع، ويستخدم السكر الموجود في الكبد لتوليد الطاقة بسرعة.

انسحاب الكافيين من الجسم

يمكن أن يتسبب الانقطاع المفاجئ عن الكافيين حسب المكتبة الوطنية للطب في الولايات المتحدة الأمريكية في ظهور أعراض الانسحاب التي قد تشمل:  الصداع والتعب وصعوبة في التركيز والغثيان والألم العضلي  فكلما اعتاد الشخص على تناول الكافيين، زادت حدة أعراض الانسحاب. وتبدأ أعراض الانسحاب من 12 إلى 24 ساعة بعد آخر تناول للكافيين ويمكن أن تستمر من يومين إلى تسعة أيام.

أي علاقة بين النيكوتين والدوبامين؟

توفر السجائر النيكوتين الذي يعد أهم مكون ذي تأثير نفسي مباشر على الأشخاص حيث يؤثر على مستقبلات بالدماغ تتفاعل مع هذه المادة.
فعندما يدخن الإنسان تنشط المستقبلات على مستوى الدماغ فتفرز الدوبامين الذي يرفع من إحساس المتعة، ومع تراجع النيكوتين بالدم ينخفض إفراز الدوبامين. وبالتالي، فعندما يدخن شخص تتحفز خلاياه أكثر، وتزداد رغبته في التدخين أكثر.
انسحاب النيكوتين من الجسم
يقول المركزالأمريكي للوقاية من الأمراض أن الأشخاص الذين يدخنون هم أكثر عرضة للإصابة بالقلق أو الاكتئاب من الأشخاص الذين لا يدخنون.
الإقلاع عن التدخين يسبب حالات من القلق والتوتر بعد زوال مادة النيكوتين المخدرة في الجسم وقد يصل في بعض الأحيان إلى الاكتئاب (Depression).
وتشير بعض الدراسات العلمية، الى أن معدلات الأنزيم أحادي أوكسيد الأمين (MAO-A) في المناطق الدماغية المسؤولة عن ضبط المزاج، ترتفع 25 في المئة بعد 8 ساعات من الإقلاع عن التدخين الكثيف. و ارتفاع هذا الإنزيم، بالفترة الأولى من الإقلاع عن التدخين، يُشعر الشخص بالحزن.
ويتسبب نقص النيكوتين في جسم المدخن في شعور الشخص بعدم القدرة على التحمل والصبر، حيث يكون سريع الغضب وهذه الانفعالات سببها الرغبة الشديدة في التدخين إضافة إلى ضعف القدرة على التركيز الفكري والتململ بسبب اشتهاء التدخين.

أسباب أخرى وراء الانفعال والغضب وقت الصوم

نقص الماء والسوائل

تقول دراسات علمية أن من بين أسباب الغضب في رمضان نقص الماء خلال ساعات الصيام، الذي يكون مسؤولاً بشكل أساسي عن اضطراب وظائف خلايا الدماغ، مما يؤدي إلى زيادة العصبية والتوتر، حيث يشكل الماء 75% من الدماغ وله دور كبير في عمله، ويفرز الدماغ موادا كرد فعل على نقص المياه، فنقص الماء يمكن أن يتسبب في مشاكل في التركيز و المزاج و الذاكرة حسب دراسة علمية أجراها الدكتور ماثيو ويتبروت من معهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا  حيث تخلص الدراسة الى أن الخلايا العصبية والخلايا الأخرى في دماغنا تتكون إلى حد كبير من الماء ولا يمكنها العمل بدونه.
وقد شملت الدراسة عددا من المتطوعين يمارس بعضهم تمارين رياضية أثناء شرب الماء  فتنقبض البطينات الدماغية (التجاويف المملوءة بالسوائل في وسط الدماغ ، والتي تسمح على وجه الخصوص بـتنظيفها وفي المقابل، تمارس مجموعة أخرى من الأشخاص نفس التمارين دون الحصول على الماء، فيتضخم البطينين، كما لو كان ذلك للتعويض عن نقص الماء في الدماغ، بينما تتقلص هياكل الدماغ المحيطة.  ويؤثر الجفاف على المهاد، وهو محور دماغي يدمج العديد من البيانات الحسية، والمخيخ، الذي يشارك بشكل خاص في التنسيق والحركة. بالإضافة إلى ذلك، بعد التمرين، لاحظ المشاركون المصابون بالجفاف انخفاضا في أدائهم في المهمة الحركية البصرية بنسبة 16% ، مقارنة بـ 8% فقط للمتطوعين الذين شربوا الماء.

نقص الجلوكوز في الدم

يقوم الجلوكوزبتغذية المخ والمراكز المسؤولة عن المشاعر والانفعالات النفسية ومع الصوم تقل التغذية الواصلة للخلايا العصبية، فتتأثر قدرة الدماغ على إفراز هرمون السيروتونين المسؤول عن السعادة وتحسين الحالة المزاجية، ما يؤدي إلى الشعور بالغضب، والقلق، والتوتر، والحزن غير المبرر.

تعتبر "حشيشة رمضان" حالة مزاجية تنتاب العديد من الأشخاص خلال فترات الصوم وإن كانت لهذه الحالة تفسيرات وتبريرات علمية كنا حاولنا أن نخلص أهمها في هذا المقال، فإنّ ما يمكن استنتاجه بعد جمع كل هذه المعلومات، هو أن هذه الحالة تنتاب أشخاصا يمارسون في حياتهم اليومية عادات سيئة، مثل التدخين أو الاستهلاك المفرط للكافيين أو نقص شرب الماء أو التغذية غير المتوازنة.