الكاتب :فردوس الجديدي
صحفية مهتمة بالشأن الاقتصادي والسياسي شغلت العديد من المناصب في رصد الاخبار والاخلالات المهنية وخطابات الكراهية في الاعلام التونسي والعربي
هل هذه وثيقة رسمية تتعلق بمخطط رئيس الجمهورية ضد اتحاد الشغل؟
هل هذه وثيقة رسمية تتعلق بمخطط رئيس الجمهورية ضد اتحاد الشغل؟
تتداول العديد من الصفحات على موقع فيسبوك منذ يوم 12 جوان 2022،وثيقة تقول إنها " سريّة ومسرّبة من قصر قرطاج" وقد نشرتها للمرّة الأولى صفحة " المارد التونسي لتطهير الداخلية" وقد رافق هذه الوثيقة تدوينة جاء فيها " المارد يتحدى. هذه الوثيقة وصلتنا من قصر قرطاج وامتنعنا طويلا عن نشرها واليوم نجد أنفسنا مجبرين على نشرها لعدة اعتبارات. أولا والأهم هو أن الشرفاء هذا الوطن رفضوا أن تنفذ هذه الخطة القذرة وأحبطوها وبالتالي فقدت قيمتها. ثانيا يهمني تبيان الحقيقة للشعب ليعلم الجميع المجزرة التي كان قيس سعيد يعتزم فعلها في حق إتحاد الشغل والتي كانت ستدخل تونس في حالة فوضى كبيرة لا يعلم هؤلاء الهواة فداحتها. ثالثا يهمنا ان نذكر باننا لسنا في صف الاتحاد ولا نزكي ممارساته، غير اننا نقدم مصلحة تونس على أي حسابات اخرى." هذه الوثيقة لاقت رواجا هاما وتناقلتها العديد من الصفحات الأخرى على غرار صفحة "Tuniflix" وصفحة "بالمرصاد للثورة المضادة" .
حاولنا في خطوة أولى الاتصال بأي جهة من رئاسة الجمهورية ومن وزارة الداخلية لكن دون أيّ ردّ من الطرفين.
ماذا عن الوثيقة؟
أولا، من أهم ركائز التدقيق هو التدقيق في مصدر المعلومة/الخبر ومدى موثوقيته. ففي هذا المثال المعروض أمامنا اليوم، السؤال الأول الذي يجب طرحه هو: من أين تأتي المعلومات ... ومن يوزعها؟
المصادر التي تدعي تسريب هذه "الوثيقة السرية" هي صفحات اعتادت نشر الأخبار الزائفة والمضلّلة. وقد رصدنا لها في العديد من المناسبات السابقة ادعاءات كاذبة وتصريحات مفبركة وصورا وفيديوهات في غير سياقها فهي لا يمكن أن تكون مصادر موثوقة، خاصّة أنّها تخدم أجندات واضحة.
ثانيا يقول ناشرو الوثيقة في التدوينة المصاحبة لها " ليعلم الجميع المجزرة التي كان قيس سعيد يعتزم فعلها في حق اتحاد الشغل والتي كانت ستدخل تونس في حالة فوضى كبيرة لا يعلم هؤلاء الهواة فداحتها." في حين أنّ الوثيقة المزعومة وعند قراءة نصها يتضح أن من كتبها يتوجه إلى رئيس الجمهورية ولا تمثل مخططا صادرا عن الرئيس حسب ما جاء فيها أي أنها لا تحوي أيّة إشارة الى أنّ رئيس الجمهورية موافق على محتواها أو يتبنّاه ويمكن لأيّ شخص أن يقوم بتحرير ما يريد من مطالب إلى أيّ شخص آخر وتحرير المطالب لا يعني بالضرورة الموافقة عليها.
ثالثا الوثيقة لا تحتوي توقيعا من أية جهة وهو ما يثير الريبة أكثر بشأنها خاصة كونها موجّهة حسب ناشريها من أحد الوزراء إلى رئيس الجمهورية. من المفروض أن تحتوي الوثائق الرسميّة على اسم الجهة المرسلة والجهة المتلقية مع ختم أو توقيع أو الاثنين معًا وهو ما تفتقده هذه الوثيقة.
رابعا أي شخص مهما كانت صفته، إذا كان ملمّا ولو قليلا ببعض تقنيات الكتابة قادر على صياغة نسخة مماثلة لهذه الوثيقة والادّعاء بأنها موجهة الى أي طرف كان. قمنا في هذا المقال بتجربة صياغة وثيقة مشابهة شكلا للـ"وثيقة المسرّبة" لنبين لقرائنا أنّ أيّا كان يمكنه صياغة وادّعاء ما يريد ولم تكلفنا عملية الفبركة سوى 10 دقائق.
إنّ توخي الحذر واجب في استقاء مثل هذه المعلومات وإن كنّا نظرا الى غياب الشفافية وتكتم المصادر الرسمية في تونس حاليا غير قادرين على الحصول على إجابات شافية بشأن هذه "الوثيقة" فإننا نؤكد أنّ الادعاء بخصوص أن الوثيقة رسمية تمثل مخططا جهزه رئيس الجمهورية للإطاحة باتحاد الشغل بالاستناد إليها زائف.
الكاتب :فردوس الجديدي
صحفية مهتمة بالشأن الاقتصادي والسياسي شغلت العديد من المناصب في رصد الاخبار والاخلالات المهنية وخطابات الكراهية في الاعلام التونسي والعربي