تفسيري

نسبة تضخم برقمين : ماذا تعني؟ وما هي انعكاساتها على المواطن والاقتصاد؟

تفسيري

نسبة تضخم برقمين : ماذا تعني؟ وما هي انعكاساتها على المواطن والاقتصاد؟

في ندوة صحفية اليوم الأربعاء 4 جانفي 2023 لمحافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي توقع العباسي أن ترتفع نسبة التضخم خلال السنة الحالية إلى 11%، مشيرا إلى أهمية قرار البنك المركزي الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية بـ75 نقطة أساس إلى 8% ، ومن ناحية اخرى توقع وزير الاقتصاد سمير سعيّد في  26 ديسمبر 2022، تسجيل نسبة تضخم بـ 10.5 في المائة في المتوسط في 2023، مع استمرار زيادة الضغوط التضخمية.


حاولت منصة تونس تتحرى الوقوف على دلالات بلوغ تونس نسبة تضخم برقمين، والآفاق والتأثيرات المتوقعة على المقدرة الشرائية والميزان الاقتصادي التونسي ؟


التضخم الاقتصادي هو من أكبر الاصطلاحات الاقتصادية شيوعا غير أنه لا يوجد اتفاق بين الاقتصاديين بشأن تعريفه، ويرجع ذلك إلى انقسام الرأي حول تحديد مفهوم التضخم حيث يُستخدم هذا الاصطلاح لوصف عدد من الحالات المختلفة من ذلك الارتفاع المفرط في المستوى العام للأسعار وتضخم الدخل النقدي أو عنصر من عناصر الدخل النقدي مثل الأجور أو الأرباح ، أو ارتفاع التكاليف ،أو   الإفراط في خلق الأرصدة النقدية ، والجدير بالذكر أن التضخم يشمل عددا من المجالات الاقتصادية ولعل أبرزها التضخم في الأسعار.


ووفق الارقام الأخيرة الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء فقد بلغت نسبة التضخم مستوى 9.8 % في شهر نوفمبر 2022 وقد بلغت نسبة التضخم في التغذية والمشروبات 15.1 مقابل 12.9 % في أكتوبر 2022، وحافظت نسبة التضخم في المشروبات الكحولية والتبغ على نفس المستوى بـ 6.6 % بين أكتوبر ونوفمبر، وارتفع تضخم النقل بـ 0.4 % ليبلغ مستوى 8.9 % مقابل 8.5 % في أكتوبر الماضي.


وتجدر الإشارة إلى أن نسبة التضخم شهدت في 2022 ارتفاعا متواصلا بعد أن كانت في مستوى 7.2 % في مارس و7.5  % في أفريل  و7.8% في شهر ماي و8.1 % في شهر جوان و8.2 % في جويلية و8.6 % أوت و9.1 % في شهر سبتمبر و9.2 % في شهر أكتوبر و9.8 % في شهر نوفمبر 2022.

تضخم قياسي وآليات التصرف ضيقة

وللوقوف على مخاطر تسجيل نسبة تضخم برقمين قامت وحدة التحري بالاتصال بالخبير الاقتصادي آرام بالحاج الذي أكد لنا أن الوصول إلى نسبة تضخم برقمين قد تم التنبؤ به لأن كل المعطيات تشير إلى الارتفاع خاصة في ظل الحرب الروسية الاوكرانية ومع المشاكل المسجلة في سلاسل الانتاج والتوريد اضافة الى التغير المناخي الذي يؤثر مباشرة على المنتوج الفلاحي وهي مشاكل عالمية أثرت على الاقتصاد العالمي و الاقتصاد الوطني معا إضافة إلى ندرة في العرض وارتفاع الطلب ، من جهة أخرى أكد بالحاج أن أهم المنتوجات في البلاد من الطاقة والمواد الغذائية يتم توريدها وخلاصها بالدولار في ظل تراجع سعر الصرف للدينار ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة التضخم المورّد وهي عوامل تؤدي إلى تضخم برقمين في البلاد.


وأشار آرام بالحاج إلى أن مستويات التضخم قياسية اليوم ، مشيرا إلى أن نسب التضخم في أوروبا وأمريكا عالية غير أن هذه الدول تمتلك إمكانيات ومنظومات انتاجية قادرة على العودة في أي لحظة إضافة إلى قوة عملتها في التعامل ، ومن جهة أخرى أكد بالحاج أن نسبة التضخم التي كانت تقارب الـ 10 % في تونس تكون برقمين في إطارها المحسوس من قبل المواطنين أساسا ، والمواطن يعاني الأمرين ومغلوب على أمره وسيعيش ارتفاعا أكثر في الأسعار في قادم الأيام ، وعلى البنك المركزي اليوم أن يعمل على إرجاع العجلة الاقتصادية والانتاج والنهوض بالسياحة واستقطاب التونسيين بالخارج لجلب العملة الصعبة وعليه تغيير معادلته القائمة على محاولة التخفيف من التضخم مهما كانت التكلفة ، وأشار بالحاج إلى أن الوضع القادم سيكون فيه ارتفاع للأسعار وأسعار التكلفة في تونس وفي العالم إضافة الى وجود مشاكل أخرى منها مشاكل أسعار الصرف ومشاكل التخزين والتوزيع في البلاد لتشهد بذلك الأسعار ارتفاعا وطنيا وعالميا.


وأضاف بالحاج أن آليات التصرف أصبحت ضيقة لأن البلاد تعاني عجزا تجاريا كبيرا ونسبة هامة في التداين إضافة إلى وجود نسب فائدة عالية الدرجة ، وأكد أن الترفيع في الفائدة المديرية له مخاطر كبرى ويبقى كلام البنك المركزي نظريا لأن البنك رفّع سابقا بـ 75 نقطة أساس في ماي 2022 غير أن التضخم لم ينخفض وفق الأرقام ، والهدف من الرفع في نسبة الفائدة المديرية ليس فقط التخفيض في نسبة التضخم ولكن أيضا حماية الاحتياطي من العملة الصعبة وحماية الميزان التجاري وهو ما لم يتم العمل عليه لأن مسببات التضخم ليست نقدية أو له مسببات متعلقة بالطلب بل أنها ترجع أساسا إلى ارتفاع كلفة الانتاج وارتفاع الأسعار على المستوى العالمي وهو ما سيعقّد الإشكال بصفة أكبر بعد الرفع في نسبة الفائدة، ومن بين الحلول المقترحة الآن مزيد التنسيق بين السياسة النقدية وبين السياسة الاقتصادية بصفة عامة للخروج من الأزمة الاقتصادية في البلاد والعمل على مستوى التغطية وكل ما يتعلق بالأمن الغذائي والأمن الطاقي مع توفير الإمكانيات الضرورية قبل الوصول إلى أوضاع منفلتة كليا حسب قوله.

ارتفاع متواصل في الأسعار وترفيع  نسبة الفائدة المديرية لا معنى له


من ناحية أخرى اتصلت منصة "تونس تتحرى" بالخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي الذي أكد لنا أن كل المؤشرات كانت دليلا على بلوغ تونس  نسبة تضخم تتجاوز الـ 10 % وببلوغ هذا المستوى تصبح الأوضاع والاقتصاديات مقلقة بناء على التصنيف العالمي ، وأشار الجويلي إلى أن التضخم يكون كل سنة ولكن هناك مفعول تراكمي من ذلك ارتفاع تكلفة الانتاج والأسعار سنويا في حين أن الأجور لم ترتفع أو ارتفعت بنسب بسيطة ، وبالوصول إلى 10 % ندخل في حلقة التسريع في الزيادات نظرا لارتفاع كلفة الانتاج مجددا ومطالب الزيادة في الأجور وتصبح المؤسسات بذلك مضطرة  للترفيع في الأسعار ما يؤثر على قيمة الدينار وتدهور المقدرة الشرائية من جهة ويؤثر على المؤسسات والاستثمار من جهة أخرى حسب قوله.


 وأشار الجويلي إلى أن هناك حلين فقط للحد في التضخم وهما التحكم في العجز التجاري الواردات على المستوى الاقتصادي، والعمل على ترفيع قيمة الدينار وهو ما يدخل في المبادرات السياسية لا الاقتصادية حسب قوله ، وأشار إلى أن الدولة التونسية لن تتمكن من التخفيض في التضخم لأن البلاد تنتظر قرض الصندوق الدولي والذي سيزيد من نسبة التضخم حسب قوله ، كما أكد أن مقترح عودة الانتاج في البلاد من الفسفاط وزيت الزيتون وتصديرهما بشكل كلي لن يعوض كثيرا لأنه وبالتصدير سيزداد عجز الميزان التجاري مع ارتفاع نسبة التوريد في مواد مشابهة ويكون بذلك التضخم قابلا للارتفاع أكثر.


وقال الجويلي إن الإضافة في نسبة الفائدة المديرية للحد من التضخم لا معنى له في وضع البلاد الحالي وهي نظريات يعتمدها صندوق النقد الدولي والخبراء الاقتصاديين غير أن الوقائع تبين أن لا علاقة تربط بين التضخم ونسبة الفائدة المديرية في تونس وهي  عملية لتعويض أصحاب أصول الديون وهي البنوك لأن التضخم الموجود في البلاد هو تضخم مستورد لأن أغلب المواد المعتمدة في الانتاج والمواد الغذائية مستوردة وكلما كان التضخم التجاري أكبر كان مفعول التضخم المستورد أكبر إضافة إلى تراجع سعر قيمة الدينار ، إضافة إلى مشاكل مسالك التخزين والتوزيع في البلاد والحديث عن الترفيع في نسبة الفائدة في هذا الاطار هو حديث لا جدوى منه حسب قوله.


 وأشار الجويلي إلى أن المواطن التونسي سيعيش حالة من الضرر بعد الترفيع في نسبة الفائدة المديرية والخاصة بالقروض التي يتم خلاصها ، والبنوك والفضاءات التجارية هي الرابح الوحيد في هذه العملية وهو ما يفسر أن هذه المؤسسات هي الوحيدة التي تسجل أرباحا كبرى في ظل أزمة اقتصادية خانقة حسب قوله ، وعن ارتفاع نسبة التضخم أكد لنا الجويلي أن الأسعار سترتفع قريبا في هذه الفترة وستزداد تكلفة الانتاج ليجد المواطن نفسه مجددا في مقدرة شرائية هشة وارتفاع كبير في الأسعار.


وبالحديث عن نسبة التضخم العالمي أكد صندوق النقد الدولي في  تقريره الدوري بعنوان "آفاق الاقتصاد العالمي أكتوبر 2022″، عانت غالبية اقتصاديات العالم من معدلات التضخم التي يمر بها الاقتصاد العالمي منذ عقود، خاصة الدول المتقدمة؛ ومنها أميركا والاتحاد الأوروبي، حيث اقتربت معدلات التضخم من 10% خلال شهور 2022 ، وأصدر صندوق النقد الدولي تقريرا برؤية  تشاؤمية بشأن معدلات التضخم في الاقتصاد العالمي، ففي ذهب التقرير إلى أن معدلات التضخم عام 2021 بلغت 4.7%، والوصول إلى 8.8% عام 2022، وعن توقعات 2023 يقدّر التقرير أن تكون بحدود 6.5%، على أن تتراجع لما كانت عليه في عام 2024 لتصل إلى 4.1%..

أكد صندوق النقد الدولي في  تقريره الدوري بعنوان "آفاق الاقتصاد العالمي أكتوبر 2022″، أن النشاط الاقتصادي العالمي يشهد تباطؤا واسعا مع تجاوز معدلات التضخم مستوياتها المسجلة منذ عقود، مشيرا إلى أن الآفاق الثقيلة من جراء أزمة تكلفة المعيشة، وتشديد الأوضاع المالية في معظم المناطق، والغزو الروسي لأوكرانيا، واستمرار جائحة كوفيد-19 أدى إلى بلوغ تباطؤ النمو العالمي من 6,0% في عام 2021 إلى 3,2% في عام  2022  ثم 2,7% في عام 2023، مع تنبؤات بارتفاع التضخم العالمي من 4,7 % في 2021 إلى 8,8 % في 2022 ليتراجع لاحقا إلى 6,5 % في 2023 و4,1 % في 2024، وعلى السياسة النقدية أن تواصل العمل على استعادة استقرار الأسعار، مع توجيه سياسة المالية العامة نحو تخفيف الضغوط الناجمة عن تكلفة المعيشة، على أن يظل موقفها متشددا بدرجة كافية مع السياسة النقدية.

يبقى وصول البلاد التونسية إلى نسبة تضخم برقمين في سنة 2023 من أهم المؤشرات التي تنبأ بها الخبراء الاقتصاديون موفى سنة 2022 واصفين إياها بالخطيرة  على المالية التونسية والوضع الإقتصادي. سياسة الترفيع في نسبة الفائدة المديرية لا يراها كل الخبراء  حلا ناجعا. وستكشف الايام القادمة اي التقديرين هو الاقرب الى الواقع تقدير محافظ البنك المركزي ام وزير الاقتصاد.