تفسيري

خبر ++: قرض تونس من صندوق النقد.. رواية الحكومة مقابل منطق الصندوق؟

تفسيري

خبر ++: قرض تونس من صندوق النقد.. رواية الحكومة مقابل منطق الصندوق؟


في تصريح لوزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد لإذاعة شمس أف أم خلال ندوة صحفية نظمتها الوزارة حول الاستراتيجية الوطنية لتحسين مناخ الأعمال 2023-2025 قال "نحن متفائلون بالتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وسنصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، مشيرا للدور الإيجابي التي قامت به رئيسة الحكومة خلال مؤتمر دافوس واجتماعها مع مدير الصندوق." كان هذا التصريح في تاريخ 20 جانفي 2023.

أما وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، فقد صرحت خلال الندوة الصحفية الخاصة بقانون المالية لسنة 2023، بتاريخ 26 ديسمبر 2022، أن تمرير الملف التونسي على أنظار مجلس إدارة صندوق النقد الدولي كان من المفترض أن يكون بتاريخ 19 ديسمبر … تم تأجيله لاعتبارات عدة ومن أبرزها الحرب التي اندلعت بين روسيا وأوكرانيا وما تسببت فيه هذه الحرب من ارتفاع في أسعار المحروقات وبلوغ العديد من الدول الكبرى لمستوى تضخم برقمين، واعتبرت الوزيرة أيضا أن تداعيات الحرب بين البلدين كانت عالمية وهو ما أخّر ملف تونس أمام صندوق النقد." جاء هذا التصريح في البث المباشر المنقول على الصفحة الرسمية للقناة الوطنية.

سمير سعيد قال أيضا في هذه الندوة "أنا من صرح أن تونس ليس لها خيار آخر بخلاف الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ونحن من يركض وراء صندوق النقد الدولي وليس العكس، وأن صندوق النقد ليس له إملاءات على تونس بل هي إصلاحات لهذه الحكومة وهذه الإصلاحات ضرورية." وكان وزير الاقتصاد والتخطيط سبق له وأن صرح خلال الدورة 36 من أيام المؤسسة في تاريخ 9 ديسمبر 2022،  أن صرّح "صندوق النقد الدولي   برمج دراسة برنامج الإصلاحات التونسية والاتفاق النهائي مع تونس خلال اجتماع مجلس إدارته يوم 19 ديسمبر 2022."




صندوق النقد الدولي من جهته نشر على موقعه الرسمي في تاريخ 15 أكتوبر 2022، بيانا صحفيا بعنوان "التوصل إلى اتفاق على مستوى خبراء الصندوق مع تونس للاستفادة من تسهيل الصندوق الممدد." (نص البيان)

وفي برنامج عمل الصندوق على الصفحة الرسمية لموقع الصندوق النقد الدولي جاء في برنامج يوم 19 ديسمبر 2022، هذا ما صرح به سمير سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط، أن مجلس الإدارة سينظر في ملف كينيا وملف دولة أوكرانيا وملف جمهورية صربيا، دون وجود ملف تونس ضمن هذه القائمة مع عدم ذكر السبب الرئيسي وراء عدم إدراج الملف التونسي ضمن هذه القائمة.


منطق الصندوق
من المهم أن نفهم أيضا على أي أساس تعامل صندوق النقد الدولي مع ملف تونس. اتصلنا بالمدير السابق للبنوك لدى البنك المركزي التونسي والذي شغل أيضا خطة مستشار سابق لدى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي منذ سنة 1987 حتى سنة 2021، الصادق الرواعي، الذي صرح لنا بعد أن اطلع على أسباب تأجيل النظر في الملف التونسي لدى الصندوق أنه قد " بدأ الحديث عن عقد اتفاق مع صندوق النقد الدولي في الوقت الذي كانت تونس لا تزال في مرحلة المفاوضات -خاصة وأن تونس لم تلتزم بتعهداتها السابقة في الاتفاقيتين الفارطتين ما جعل مصداقيتها أمام الصندوق على المحك-، والسبب الرئيس وراء التأجيل يعود أساسا إلى عدم قدرة تونس على توفير ضمانات من بعض الدول التي ستقوم بمنح تونس قروضا أي أنه بعد أن تحصلت تونس على موافقة 30 دولة خلال اتفاق الخبراء كان على الدولة التونسية أن تنطلق في مرحلة أخرى والتي تتمثل في إقناع هذه الدول بمنح تونس قيمة من المبلغ المتفق عليه، في هذه المرحلة يمكن الحديث على الديبلوماسية الاقتصادية وقدرتها على إقناع هذه الدول من أجل الحصول على المبلغ المطلوب فتونس شاركت في القمة العربية الصينية المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض، ومن المفروض في تلك الفترة أن يتمكن رئيس الجمهورية قيس سعيد من إقناع نظيره السعودي بتوفير قسط من المبلغ المذكور لكن ما حدث هو أن الرئيس لم يتمكن أو لم يقم بالوصول إلى أي اتفاق مع دولة السعودية، وفي هذه اللحظة تأكد فريق صندوق النقد الدولي من خلال العديد من المعلومات بعد التواصل مع نظرائه في هذه الدول وبعد متابعة الإجراءات التي وعدت بها الدولة التونسية من أن تونس لم تقم بأي إجراء من الإجراءات التي تم التطرق لها مثل أن قانون المالية لسنة 2023، لم يكن يحمل العديد من التغيرات كما لم يتم إصدار أي قانون في علاقة بالمؤسسات العمومية بالإضافة إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد يقلل من أهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي."

وأضاف في علاقة بملف تونس أن " ما حصل في شهر ديسمبر 2022، هو أنه بعد أن تأكد فريق صندوق النقد الدولي من عدم وجود أي مؤشر أو الشروع في العمل على الإجراءات من قبل الحكومة التونسية التي تم الحديث فيها خلال اتفاق الخبراء في أكتوبر سنة 2022، وبعد أن كان مقررا النظر في الخطوة الأخيرة للملف التونسي في تاريخ 19 ديسمبر 2022، كان هذا التاريخ غير مؤكد لأن مجلس إدارة الصندوق يشتغل ضمن قاعدة تتمثل في أنه يرسل تقريرا حول الإجراءات المعتمدة من الدولة والتي تم الاتفاق عليها قبل موعد القرار النهائي بأسبوع أي  في حدود تاريخ 14 ديسمبر 2022، فريق الصندوق المتمثل في الخبراء ومجلس إدارة الصندوق من المفروض أن ينهوا العمل على أي ملف ويتم إرسال تقرير بالموافقة من قبل الخبراء وفي هذا التاريخ أي 14 ديسمبر، ولكن لم يحصل خبراء الصندوق على أي معطى إيجابي في علاقة بملف تونس، وفي تلك الفترة زار رئيس الجمهورية الولايات المتحدة الأمريكية في إطار الدورة الثانية لقمة قادة الولايات المتحدة الأمريكية وإفريقيا في واشنطن، وكان خبراء الصندوق على أمل أن يكون الرئيس محملا بعديد المعطيات ورسالة الاهتمام والموافقة من قبله والتي تمكن تونس من الإبقاء على موعد النظر في الملف بتاريخ 19 ديسمبر 2022."

ويتابع الرواعي " لكن عند وصول الرئيس لواشنطن تجاهل سعيد صندوق النقد الدولي وحتى طلب الاجتماع ولم يتحدث مع ممثلي الصندوق. في حين أنه يوجد عرف في كل زيارات رؤساء تونس لواشنطن هو مقابلة مجموعة من صندوق النقد خلال هذه الزيارة ويتم هذا اللقاء  عند وجود ملف لتونس لدى الصندوق أو دون وجود ملف وهو ما قام به الرئيس الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن على وغيرهم خلال زياراتهم الولايات المتحدة، ولم يدرج ملف تونس في جدول أعمال جلسة 19 ديسمبر، بسبب عدم وجود أي تفاعل أو إجراء مثل نشر القوانين بالرائد الرسمي أو الحصول على بعض الوعود من بين الدول الموافقة على ملف تونس وحتى قانون المالية لم يحمل معه العديد من التغيرات الملحوظة." 

كيف يعمل الصندوق؟

" بالنسبة الى طريقة عمل صندوق النقد الدولي، فإن الصندوق يوكل مهمات لمجموعة من التقنيين عبر إرسالهم إلى البلد المقترض. ففي تونس على سبيل المثال أرسل الصندوق مرارا وتكرارا وفودا من التقنيين، يقوم هؤلاء التقنيون بزيارة مؤسسات الدولة على غرار البنك المركزي التونسي ووزارة المالية ووزارة السياحة وزارة الصناعة وغيرها من المؤسسات الأخرى، كما يلتقون أيضا بأطراف أخرى مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمعهد الوطني للإحصاء وكل الأطراف الفاعلة في البلاد...وتأتي هذه الزيارات بهدف الحصول على كافة المعطيات والإحصائيات والمؤشرات الاقتصادية لسنة 2022 على سبيل المثال، ويعقدون بعد ذلك اجتماعات مع البنك المركزي ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط لتقييم المؤشرات والأرقام التي سجلتها الحكومة،" كما يضيف الرواعي.

"ويعطي بعد ذلك فريق التقنيين هذا التقييم والتدقيق للحكومة ويتفاوضون حول هذه النتائج معها وتعطي الحكومة بدورها تفسيرات لينتهي المطاف بعد كل هذا للتوصل إلى المعطيات الحقيقية حول الوضعية الاقتصادية  للبلاد في سنة 2022". ويتابع "يعني أن لجنة الخبراء والحكومة يتفقان على نفس المعطيات وبعد ذلك يعقد الصندوق جلسات مطولة مع ممثلي الحكومة من وزارة مالية وبنك مركزي وخاصة وزارة الاقتصاد والتخطيط ويقوم بعرض كافة التفاصيل حول الوضعية الاقتصادية خلال عام 2022، ويتم وضع تصورات لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع خلال السنوات ال3 أو ال5 القادمة بعد الأخذ بعين الاعتبار العديد من العوامل مثل الأزمة الأوروبية وارتفاع سعر النفط وغيرها من الاحتمالات الممكنة التي يمكن بعدها بناء فرضيات للميزانيات القادمة للبلاد، وإذا لم يتم أخذ هذه الفرضيات بعين الاعتبار هكذا ستكون حال المؤشرات الاقتصادية في البلاد كل سنة على امتداد ال5 سنوات القادمة على غرار نسب التضخم والميزان التجاري واحتياطي العملة الصعبة... وبعد كل هذه الخطوات التقنية يتم وضع مخططات والبدء في التفاوض مع الصندوق."

يقوم منطق صندوق النقد على ضرورة الإيفاء بالالتزامات وتوفير الضمانات، في حين أن الأيام والأسابيع القادمة هي التي ستحدد إن كان تفاؤل وزير الاقتصاد والتخطيط في محله وإن كنا سنحصل على اتفاق مع صندوق النقد.