الكاتب :صابر العياري
صابر العياري ، صحفي مختص في الصحافة الإلكترونية ورئيس تحرير سابق لعدد من المواقع الإلكترونية
تفسيري
هل يُعتبر التمويل الأجنبي للجمعيات التونسية غير قانوني؟ أم أنه حق مشروع في إطار القوانين الوطنية؟
تفسيري
هل يُعتبر التمويل الأجنبي للجمعيات التونسية غير قانوني؟ أم أنه حق مشروع في إطار القوانين الوطنية؟
أثار قرار رئاسة الحكومة التونسية مؤخرًا بتعليق نشاط كلٍّ من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لمدة شهر، انطلاقًا من تاريخي 24 و27 أكتوبر 2025، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والمجتمعية والنقابية.
كما تمّ، في 31 أكتوبر 2025، تعليق نشاط جمعية صحفيي موقع "نواة"، ما زاد من حدة النقاش العام حول خلفيات هذه القرارات.
وقد راسلت الحكومة التونسية الجمعيات المعنية دون توضيح الأسباب وراء قرارات التعليق، في حين أشار بعض الأطراف إلى أن الخطوة جاءت على خلفية رصد تجاوزات مالية، خاصة فيما يتعلق بالتمويل الأجنبي والتصرف في الموارد.
وبقي السؤال المطروح اليوم: هل يُعتبر التمويل الأجنبي للجمعيات التونسية غير قانوني؟ أم أنه حق مشروع في إطار القوانين الوطنية؟
وما هي الأطر القانونية المنظمة لتلقّي المساعدات العينية أو التمويلات من الجهات الأجنبية؟
يُعتبر تعليق نشاط الجمعية من بين العقوبات المنصوص عليها في المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات.
وينصّ الفصل 45 من المرسوم على أنّ قرار التعليق يُتخذ من قبل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس، بمقتضى إذن على عريضة يقدّمه الكاتب العام للحكومة، وذلك لمدة لا تتجاوز ثلاثين يومًا (30)، في حال عدم إزالة المخالفة خلال الأجل المحدد في الفقرة الأولى من نفس الفصل.
كما يتيح القانون للجمعية المعنية حقّ الطعن في قرار التعليق وفق إجراءات القضاء الاستعجالي.
https://tinyurl.com/4faa52ex
بعد صدور قرار تعليق نشاط الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبّرت العديد من الجمعيات والمنظمات التونسية عن استنكارها لهذين القرارين. ومن بين هذه الأطراف، الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين، إذ أكّد عميد المحامين في تدخل إذاعي على إذاعة الديوان يوم 30 أكتوبر 2025، عقب نشر بلاغ عن الهيئة، أن القرار يُعدّ مسًّا بحرية التنظيم والعمل الجمعياتي، وهي حرية يضمنها الدستور التونسي والقوانين المنظمة للحياة المدنية، والتي تنظم بدورها النشاط والتمويل والجوانب القانونية للجمعيات.
وأشار عميد المحامين إلى أن مثل هذه القرارات غالبًا ما تتزامن مع حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف نسيجًا من الجمعيات، ولا سيما تلك التي تتلقى تمويلات أجنبية، مضيفًا أن جزءًا من المرسوم المنظم للجمعيات يضمن لتلك الجمعيات الحق في تلقي التمويل الأجنبي وفقًا للضوابط القانونية المعمول بها.
يضمن الدستور التونسي الحق في التنظّم، وهو حق دستوري مكفول بموجب الفصل 40 الذي ينصّ على أن:
"حرية تكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات مضمونة، وتلتزم الأحزاب والنقابات والجمعيات في أنظمتها الأساسية وفي أنشطتها بأحكام الدستور والقانون وبالشفافية المالية ونبذ العنف."
كما ينظم الفصل 75 من الدستور هذه المسألة، مبيّنًا أن تنظيم الأحزاب والجمعيات والنقابات والمنظمات والهيئات المهنية وتمويلها يُعدّ من المسائل التي يجب أن تُنظّم بقوانين أساسية.
وبالرجوع إلى المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات، نلاحظ أنّ الباب السادس من المرسوم المخصص للأحكام المالية، ينصّ في الفصل 34 على أنّ موارد الجمعية تتكوّن من:
- اشتراكات الأعضاء،
- المساعدات العمومية،
- التبرعات والهبات والوصايا، سواء كانت وطنية أو أجنبية،
- العائدات الناتجة عن ممتلكات الجمعية وأنشطتها ومشاريعها.
كما يحجّر المرسوم على الجمعيات قانونيًا قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية، أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول.
أما الفصل 40 من المرسوم فيلزم الجمعيات بمسك سجلّ خاصّ تُدرج فيه كلّ المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا، مع التمييز بين:
النقدي والعيني، العمومي والخاص، الوطني والأجنبي.
وينصّ الفصل 41 على أنّه يجب على الجمعية نشر المساعدات والتبرعات والهبات الأجنبية وذكر مصدرها وقيمتها وموضوعها في إحدى وسائل الإعلام المكتوبة أو على موقعها الإلكتروني – إن وُجد – في أجل أقصاه شهر واحد من تاريخ قبولها، مع إعلام الكاتب العام للحكومة بذلك بواسطة مكتوب مضمون الوصول.
في المقابل، ترى عدة أطراف وجهات سياسية واجتماعية أنّ التمويلات والهبات والمساعدات الأجنبية للجمعيات والنقابات قد تشكّل تهديدًا للأمن والسلم الاجتماعيين، وهو ما دفع عشرة نواب في البرلمان التونسي إلى تقديم مقترح قانون أساسي عدد 027/2023 بتاريخ 10 أكتوبر 2023 يتعلق بتنظيم الجمعيات، وتمت إحالته على لجنة الحقوق والحريات يوم 12 أكتوبر 2023.
يحتوي المقترح على 26 فصلًا موزعة على أربعة أبواب:
- المبادئ العامة،
- الجمعيات الوطنية،
- الجمعيات الأجنبية،
- الحلّ والعقوبات وتنفيذها.
وينصّ الفصل 18 من المقترح على أنه: "يُمنع التمويل الأجنبي للجمعيات الوطنية دون موافقة مسبقة من رئاسة الحكومة."
كما يحدد الفصل 24 العقوبات في حال تلقي تمويل أجنبي دون هذه الموافقة، ويشير المقترح إلى أنّ طلب التمويل يخضع لموافقة رئاسة الحكومة في أجل لا يتجاوز شهراً واحداً من تاريخ التقديم، ويُعتبر عدم الرد خلال الأجل المحدد بمثابة الموافقة.
أكدت فاطمة المسدي، عن جهة المبادرة، في مداخلة إذاعية على راديو ديوان FM بتاريخ 11 سبتمبر 2023، على ضرورة التمييز بين الجمعيات الوطنية والجمعيات الأجنبية، مشددة على أن التمويل الأجنبي يجب أن يُمنع عن الجمعيات الوطنية إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من رئاسة الحكومة. كما أوضحت أن الجمعيات ينبغي أن تكون تحت إشراف الوزارات المعنية بنشاطها، داعية إلى أن يكون العمل الجمعياتي تطوعياً دون أجر، مع إعادة صياغة منظومة التمويل العمومي لتكون بديلاً عن الأموال الأجنبية، وذلك في إطار احترام السيادة الوطنية.
وأضافت المسدي أنّه يجب منع الاستقواء بالأطراف الأجنبية أو توظيف التمويلات الخارجية لأغراض سياسية أو لخدمة الإرهاب، معتبرة أن المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات تحوّل، في صيغته الحالية، إلى أحد مصادر انتشار الفساد، وشبكات الإرهاب، وتبييض الأموال، وفق تعبيرها.
أثار مشروع تنقيح المرسوم عدد 88 المتعلق بتنظيم الجمعيات جدلاً واسعاً في البلاد، وواجه رفضاً قاطعاً من قبل عدد من الجمعيات والمنظمات والنقابات الوطنية، التي اعتبرت أن هذا المقترح يُمثّل تراجعاً خطيراً عن مكتسبات حقوق وحريات الشعب التونسي، ويُشكّل تضييقاً على العمل المدني. ورأت هذه الأطراف أن مشروع التنقيح يغلق باب حرية التنظيم ويفرض رقابة مسبقة من قبل الإدارة على الجمعيات، مما قد يؤدي إلى إضعاف دور المجتمع المدني والأجسام الوسيطة، وفق ما نُشر في موقع جريدة الصباح بتاريخ 26 أكتوبر 2023.
رغم وجود مجموعة من القوانين التي تضمن للجمعيات التونسية إمكانية تلقي التمويل الأجنبي والحصول على المساعدات والتبرعات والهبات والوصايا العينية والنقدية، فإن هذا الموضوع ما يزال محلّ جدل واسع بين من يعتبره حقاً مشروعاً يساهم في دعم أنشطة المجتمع المدني، وبين من يرى فيه تهديداً لأمن البلاد واستقلال قرارها الوطني أو استقواءً بالخارج وتدخلاً أجنبياً في الشأن الداخلي ، وهكذا، يبقى ملف التمويلات الأجنبية للجمعيات التونسية مفتوحاً أمام التأويل والنقد ومثاراً لخلافات متعددة الزوايا.
حاولت منصة "تونس تتحرى" في هذا المقال التفسيري عرض الجوانب القانونية والدستورية المنظمة للتمويلات الأجنبية للجمعيات والمنظمات والنقابات في تونس، مع إبراز تنوع المواقف حولها ، في محاولة لفهم الإطار العام للنقاش القائم بشأن هذه المسألة.
الكاتب :صابر العياري
صابر العياري ، صحفي مختص في الصحافة الإلكترونية ورئيس تحرير سابق لعدد من المواقع الإلكترونية