الكاتب :صابر العياري
صابر العياري ، صحفي مختص في الصحافة الإلكترونية ورئيس تحرير سابق لعدد من المواقع الإلكترونية
مكافحة الحشرة القرمزية بنثر الدعسوقة: الحلول الممكنة والآثار المحتملة
مكافحة الحشرة القرمزية بنثر الدعسوقة: الحلول الممكنة والآثار المحتملة
يتواتر خلال الأيام الأخيرة، عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، الحديث عن تطورات متعلقة بمداواة آفة الحشرة القرمزية في عدد من ولايات البلاد التونسية. وقد زاد من حدة هذا الاهتمام قيام وزارة الفلاحة بالإطلاق السابع للدعسوقة المكسيكية، في إطار دفعات جديدة تهدف إلى القضاء على هذه الآفة التي تهدد محاصيل التين الشوكي. ويُعدّ هذا الإجراء أحد الحلول البيولوجية التي يعتمدها الفلاحون في عديد دول العالم لمكافحة الحشرة القرمزية. وفي هذا المقال، سنسعى إلى تسليط الضوء على الحشرة القرمزية، وأضرارها، ومدى نجاعة الاعتماد على الدعسوقة كوسيلة لمكافحتها.
الحشرة القرمزية (Cochineal) هي حشرة قشرية تعيش على الصبار وتتغذى على العصارة النباتية ، وتشتهر باستخراج صبغة الكارمين الحمراء ومنها المستخدمة في الأغذية ومستحضرات التجميل، غير أنها تُعد آفة خطيرة تهدد مزارع التين الشوكي في مناطق مثل شمال أفريقيا، حيث تمتص عصارة النبات مسببة اصفراره وموته.
ومن بين الأدوية البيولوجية التي تعتمدها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إطلاق حشرات مفترسة مثل الدعسوقة (Ladybug/Ladybird) وهي نوع من الخنافس الصغيرة والمفيدة، تُعرف بشكلها الكروي أو البيضاوي، وألوانها الزاهية (الأحمر، الأصفر، البرتقالي) مع بقع سوداء، وتعتبر صديقة للمزارع لأنها تتغذى على الآفات مثل المن، ومفيدة في المكافحة الحيوية للآفات الزراعية. والدعسوقة المكسيكية هي التي يتم استيرادها لمكافحة الآفات الزراعية، وهي ليست الدعسوقة ذات السبع نقاط التقليدية (التي تتغذى على المن)، بل هي حشرة مفترسة تتغذى تحديداً على الحشرة القرمزية الضارة، وتتميز بلونها الأصفر أو البرتقالي، وقد تحمل ثماني بقع سوداء على كل جناح (مقارنة بسبع نقاط للدعسوقة الشائعة)، وتلعب دوراً في المكافحة البيولوجية للحفاظ على التين الشوكي دون استخدام المبيدات الكيميائية.
وتقوم الحشرة القرمزية أساسا بالتغذي على عصارة نبتة التين الشوكي ، وتظهر الحشرة في شكل أبيض قطني على لوح التين الشوكي تضعه الأنثى لتحمي بيضها بعد التزاوج في شكل مادة شمعية ما يجعل وصول المبيدات إليها شديد الصعوبة.
وتم اكتشاف الحشرة القرمزية في تونس خلال سبتمبر 2021 بولاية المهدية، وسرعان ما انتشرت إلى عدد من الولايات حاليا من بينها المنستير وسوسة وزغوان والقصرين وسليانة ما أدى إلى الإضرار بالثروة الوطنية من التين الشوكي وقد اعتمدت تونس بداية الأدوية الكيميائية للقضاء على الحشرة القرمزية غير أنها فشلت في ذلك لتنتقل إلى المداواة البيولوجية عبر الدعسوقة .
وتجدر الإشارة إلى أن المنظمة الأممية للأغذية والزراعة "الفاو" خصصت ميزانية عاجلة بـ 500 ألف دولار للحد من انتشار الحشرة القرمزية في المناطق الموبوءة وقد امتازت تونس بالمشاركة في هذا البرنامج وقد تسلمت تونس يوم الإثنين 24 جوان 2024، زهاء 100 من حشرة الدعسوقة الكفيلة بالقضاء على الحشرة القرمزية التي تفتك بنبات بالتين الشوكي أو ما يعرف باللهجة التونسية بـ ''الهندي''.
وتقدم المنظمة الدعم الطارئ وتوفر الميزانيات وتنسق مع السلطات المحلية لتطبيق حلول متكاملة تشمل المكافحة الميكانيكية (مثل اقتلاع الجذور المصابة وتطوير أصناف المقاومة) كما تعمل على توعية المزارعين وتوفير المعدات اللازمة لمواجهة هذه الآفة.
ويمنح الإنتاج السنوي من التين الشوكي تونس المرتبة الثانية دوليا بما يقدر بـ 550 ألف طن سنويا بعد المكسيك ورابع مركز في مستوى حجم الصادرات عالميا وفق المنظمة الأممية للأغذية والزراعة "الفاو" في جوان 2025.
وأطلقت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري هذا البرنامج للحفاظ على التين الشوكي والصبار في البلاد وقد تم مؤخرا نثر عدد كبير من الدعسوقة في عدد من الولايات التونسية منها زغوان بنثر 5500 دعسوقة ونثر 27.500 دعسوقة بالقصرين ونثر بين 2500 إلى 3000 دعسوقة في سليانة وتم في نابل نثر 300 من حشرة الدعسوقة بمعتمدية بوعرقوب في سابع إطلاق للدعسوقة.
https://shorturl.at/sx3fa
https://www.babnet.net/cadredetail-299122.asp
https://shorturl.at/tD1co
https://shorturl.at/GvwHJ
ومن جهتها تشدد وزارة الفلاحة في هذا الإطار على التعامل بطريقة بيولوجية مع آفة الحشرة القرمزية وتعطيها أولوية في التعامل مع مشاكل القطاع الفلاحي فقد تحول وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عزالدّين بن الشّيخ، يوم الثلاثاء 09 ديسمبر 2025، في زيارة عمل إلى المعهد العالي للعلوم الفلاحية بشط مريم وخلال جولته داخل مخبر علم الحشرات إطلع على تجربة رائدة في مجال المكافحة البيولوجية للآفات، كما قدّم له الفريق العلمي عرضا حول طرق تربية هذه الحشرة النافعة ودورها في الحدّ من استعمال المبيدات الكيميائية ومكافحة الحشرة القرمزية ، وأشاد الوزير بهذه التجربة ، مؤكّدًا ضرورة دعم مثل هذه المبادرات التي تمثّل بدائل بيولوجية فعّالة لحماية المنتوجات الفلاحية.
https://www.facebook.com/share/p/1Efr1hGRQH/
وفي هذا السياق، حاولنا الاتصال بالمكلّفة بالإعلام بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، غير أنّه تعذّر علينا الوصول إليها للاستفسار حول عدد الدعسوقات التي تم نثرها، ومدى تقدّم تطبيق البرنامج الوطني ونجاعته في مكافحة آفة الحشرة القرمزية.
ومن جهة أخرى يرى بعض الخبراء على غرار الخبير في السياسات الفلاحية فوزي الزياني أنه "كان بالإمكان استيراد هذه الحشرة منذ سنتين، قبل أن تستفحل الآفة ونخسر ثروتنا من التين الشوكي في حين كانت على مستوى ضيق في كليومتر واحد في المهدية فقط "، وأكد الزياني على وجود حشرات كفيلة بمقاومة الحشرة القرمزية لم يتم اللجوء إليها وتونس لم تجلب عددا كافيا من الدعسوقة لاكثارها والقضاء بصفة تامة على الحشرة القرمزية ، داعيا إلى إنقاذ ما تبقى من ثروة من التين الشوكي بـ "حكمة وروية"، مشيرا الى أن "الهندي" من الغلال الوطنية التي وجب الاعتناء به ، كما أن التين الشوكي يدخل في إطار تعليف الأغنام وتعويض استهلاكها للشعير ، مضيفا أن تونس أضرت بداية بالبيئة والإنسان وبالحشرات التي نحتاجها في فلاحتنا الوطنية والتي تم القضاء عليها في استخدام المداواة الكيماوية وقطع جذور التين الشوكي لمدة 3 سنوات ، معتبرا أن تونس لها حضور كبير في إنتاج التين الشوكي سواء كان عاديا أو بيولوجيا حسب قوله.
وتجدر الإشارة إلى أن الدعسوقة غير ضارة بالنسبة للنباتات والإنسان ولن يكون وجودها مقلقا حتى بعد القضاء على الحشرة القرمزية وذلك حسب الأبحاث والتجارب بعد أن تم اعتمادها سابقا في المغرب والمكسيك.
وبالاتصال بالخبير الدولي في التنمية الفلاحية والريفية، والموظف السابق بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، نور الدين نصر، أكّد لنا أنّنا «خسرنا الكثير من الوقت، وهو ما سمح للحشرة بالتكاثر بكثافة والتوسّع في رقعتها الجغرافية لتشمل تقريبًا كامل البلاد».
وأشار إلى أنّ التدخّل الوطني اقتصر على جلب عدد محدود من الدعسوقة المكسيكية، قُدّر بحوالي 500 دعسوقة فقط، مضيفًا أنّه من الضروري اليوم دعم هذا التدخّل عبر اعتماد التقليم الحاد وتنظيف ألواح التين الشوكي، مع تثمينها بتحويلها إلى أعلاف أو استعمالها في صناعات أخرى. كما شدّد على ضرورة الحدّ من تنقّل ألواح وثمار التين الشوكي داخل البلاد، والانتقال إلى اعتماد مقاربة المقاومة المتكاملة للحدّ من انتشار الحشرة القرمزية، إلى جانب المراقبة والتدخّل المبكّر.
وأكّد نور الدين نصر كذلك على أهمية إرساء آليات تواصل بين مختلف المتدخّلين، من خلال وضع برنامج تواصلي واضح وتحديد المناطق الموبوءة ضمن مركز نظم معلومات جغرافية، فضلاً عن تعزيز تكوين الفلاحين وصغار الفلاحين.
وفي السياق ذاته، أوضح نصر أنّ الحشرة القرمزية لا تتغذّى إلا على التين الشوكي والصبّار، في حين أنّ الدعسوقة المكسيكية لا تتغذّى إلا على الحشرة القرمزية، وفي حال غياب أحدهما يختفي الآخر. وأضاف أنّه بعد القضاء على الحشرة القرمزية، لن تستمرّ الدعسوقة في البيئة، مبيّنًا في المقابل أنّ تونس تتوفّر على أنواع أخرى من الدعسوقات، لكنها غير متخصّصة في التغذّي على الحشرة القرمزية فقط، بل تتغذّى أيضًا على كائنات أخرى موجودة في البلاد.
حاولنا في هذا المقال التفسيري تسليط الضوء على آفة الحشرة القرمزية، وحجم أضرارها وتأثيرها على التين الشوكي والصبّار، إضافة إلى استعراض البرنامج الوطني الذي تعتمد عليه الجمهورية التونسية للحدّ من انتشار هذه الآفة، من خلال اللجوء إلى حلّ بيولوجي يقوم على استيراد الدعسوقة، كبديل عن الحلول الكيميائية في مكافحتها.
الكاتب :صابر العياري
صابر العياري ، صحفي مختص في الصحافة الإلكترونية ورئيس تحرير سابق لعدد من المواقع الإلكترونية