أطفال قابس والتلوث الصناعي: لماذا يُعدّون الأكثر تضررًا من انبعاثات المجمع الكيميائي؟
أطفال قابس والتلوث الصناعي: لماذا يُعدّون الأكثر تضررًا من انبعاثات المجمع الكيميائي؟
تظاهر أهالي قابس مرة أخرى يوم 17 ديسمبر 2025 مطالبين بتفكيك وحدات الإنتاج بالمصنع الكيميائي المتسبب في الأزمة البيئية والصحية المتفاقمة بالمنطقة ويأتي هذا وسط سلسلة من الاحتجاجات ينفذها اهالي المنطقة منذ نحو ثلاثة أشهر تنديدا باستمرار تسجيل حالات اختناق جماعية جديدة طالت الأهالي وتلاميذ المدارس بسبب تواصل تسرب الغازات السامة من المجمع الكيميائي.
https://www.facebook.com/share/r/1aAQRQmNVu/
في هذا المقال التفسيري، نسعى الى تسليط الضوء على مشاكل الجهاز التنفسي عند الأطفال بصورة عامة وصولا الى أطفال قابس في علاقة بالتلوث وانبعاث الغازات السامة من المجمع الكيميائي باعتبارهم الحلقة الأضعف والأكثر عرضة لحالات الاختناق والإغماء داخل المؤسسات التربية.
لماذا الأطفال الأكثر عرضة لمشاكل الجهاز التنفسي ؟
أوضح خالد منيف الأستاذ في كلية الطب بتونس ورئيس قسم طب إنعاش الأطفال بمستشفى البشير حمزة ورئيس جمعية طب الأطفال بالجمهورية التونسية لمنصة تونس تتحرى أن هناك فوارق كبيرة بين الجهاز التنفسي عند الطفل والإنسان البالغ على مستوى الحجم وعلى مستوى المناعة .
الحجم:
قال طبيب الأطفال أن الجهاز التنفسي عند الطفل ما يزال في طور النمو وأقل حجما مقارنة بالبالغين ويستكمل الجهاز التنفسي عند الطفل نموه الكامل باكتمال نمو الجسم الذي يكون عادة عند بلوغ سن 18 سنة.
ويظهر هذا الاختلاف بوضوح في صغر حجم وقطر (diamètre) القصبات الهوائية والقصيبات المتفرعة التي مهمتها ايصال الهواء والاوكسيجسن الى الرئتين.
وصغر الحجم يتطلب من الأطفال بذل جهد أكثر جذب الهواء للتنفس من قبل الطفل مقارنة بالكبار وفي صورة حدوث ضيق او انسداد في القصبات الهوائية يؤدي ذلك الى مضاعفة المجهود وعملية التنفس بهذا الشكل ترهق العضلات الرئيسية (diaphragme ) والعضلات الثانوية داخل القفص الصدري المسؤولة عن عملية التنفس .
وأضاف رئيس قسم طب إنعاش الأطفال أن الجهاز التنفسي لدى الطفل في عمر سنتين رغم عدم اكتمال نموه وصغر حجمه يصل الى مرحلة تسمح له بالتأقلم ومقاومة المشاكل التنفسية وكلما كبر كلما تتقلص الفوارق مقارنة بالبالغين حتى يبلغ نموه الكامل باكتمال نمو الجسم بالكامل .
المناعة:
وأوضح رئيس جمعية طب الأطفال بتونس وجود عنصر آخر لا يقل أهمية وهو مناعة الأطفال التي تعتبر ضعيفة وجهازهم المناعي لا يزال يتطور ولا يعرف الفيروسات والجراثيم ولا التلوث وبالتالي لا يمكنه التعامل مع هذه "الحوادث" إلا بعد تعرف الجسم عليها والاصابة بها ثم يقوم بعد ذلك بإنتاج المضادات اللازمة والملائمة ويكون هذا تدريجيا وبعد سنوات من التجارب المناعية .
كما أوضح الأستاذ في كلية الطب بتونس أن التقلبات المناخية المفاجئة وبيئة العيش وتلوث الهواء عوامل تؤثر بشكل مباشر وسلبي على صحة وعمل الجهاز التنفسي للطفل وحتى على كبار السن ويمكن أن يسبب عدة أمراض مثل الحساسية التي تسبب ضيق التنفس والربو (الفدة) وأمراض اخرى خطيرة مثل السرطان..
قابس والغازات السامة
أنجز الاتحاد الأوروبي، دراسة شاملة تحت عنوان "دراسة تأثير التلوث الصناعي على اقتصاد منطقة قابس"، وتم نشرها بتاريخ 30 مارس 2017، الدراسة تتضمن 172 صفحة وتهدف إلى تقييم التأثير الاقتصادي والبيئي والصحي للتلوث الصناعي في ولاية قابس .
أوضحت الدراسة أن مصدر التلوث الرئيسي المسبب للامراض في قابس هو الهواء المنبعث من وحدات المجمع الكيميائي التونسي التي تساهم بأكثر من 95% من التلوث الجوي.
وأكدت الدراسة أن التلوث الجوي مرتبط أساسا بغازات سامة أبرزها:
- كبريتيد الهيدروجين (H2S) وهو غاز رائحته تشبه البيض الفاسد ويعتبر سامًا وخطيرًا ويسبب تهيجًا في العينين، وتهيجًا في الجهاز التنفسي، وفي تركيزات عالية يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوعي أو الوفاة.
- الأمونياك (NH3) غاز عديم اللون رائحته حادة يسبب تهيجًا في العيون والأنف والحلق، ويساهم في مشاكل تنفسية عند التعرض لمستويات عالية.
-الهيدروجين فلوريد (HF) هو غازعديم اللون وسام وحمضً قوي عند مزجه بالماء و يسبب تهيجًا شديدًا في الجلد والعينين، و يؤدي إلى ضرر في الجهاز التنفسي
http://www.ods.nat.tn/upload/Rapport_Final.pdf
كل هذه الغازات تصنف سامة وخطيرة وتسبب ضررا كبيرا للجهاز التنفسي ولها تأثيرات سلبية حينية وأمراض تنفسية مزمنة تظهر عند الأهالي بمرور الزمن والسنوات بما في ذلك ظهور مرض الحساسية والربو ومشاكل تنفسية مفاجئة وخطيرة تؤدي الى دخول المستشفيات في الحالات الشديدة.
أطفال قابس والغازات السامة :
خلال الأشهر الأخيرة، انتشرت عدة مقاطع فيديو على منصات التواصل الإجتماعي تظهر حالات اختناق وإغماء لاطفال من داخل المؤسسة التربوية .
وتوثق هذه المقاطع لحظات فزع وهلع للتلاميذ وهم في حالة إغماء ويعانون من صعوبات في التنفس، وسط حالة من الاحتقان والغضب في صفوف الأولياء الذين طالبوا ضرورة التدخل لإيجاد حل لهذه "الكارثة" المتواصلة..
https://www.facebook.com/share/r/1DW4CvKkEz/
https://www.facebook.com/share/r/17r6CdYmHA/
https://www.facebook.com/share/p/1DEv1QnChh/
وحسب بولبابة عبد الله الطبيب بقسم الأطفال بالمستشفى الجامعي بقابس، أهالي قابس يختلفون على بقية أهالي الولايات، هم يعانون منذ صغرهم من مشاكل صحية تنفسية بسبب هشاشة الجهاز التنفسي .
وأضاف أن عديد المناطق في قابس على غرارغنوش وشط سيدي عبد السلام تعاني من التلوث لعقود بسبب الغازات السامة المنبعثة من المجمع الكيميائي دون معالجة أو إيجاد حلول وهو ما يفسر معاناة متساكني هذه الجهات من مشاكل خطيرة في الجهاز التنفسي وحتى في الجهاز العصبي وأمراض مزمنة أخرى من بينها نوبات الربو المتكررة عند الأطفال .
وأضاف الطبيب بقسم الأطفال بالمستشفى الجامعي أن التلوث الذي تعاني منه قابس لسنوات ساهم في ارتفاع عدد مرضى السرطان وخاصة سرطان الرئة والعدد قابل للزيادة أكثر فأكثر في ظل هذا الوضع البيئي المتردي وإمكانية تسجيل إصابات بالسرطان في صفوف الشباب في عمر 35 و40 سنة أصبحت مطروحة .
https://www.youtube.com/watch?v=S-A6cWEQv4o
تجدر الإشارة إلى أن الحكومة التونسية قررت خلال مجلس وزاري مضيّق بتاريخ 29 جوان 2017 تفكيك الوحدات الصناعية الملوّثة التابعة للمجمّع الكيميائي التونسي في قابس وتم نشر القرار في بلاغ حكومي أصدرته وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة يوم 30 جوان 2017 ما شكل أملا جديدا للمواطنين ، غير أنه لم يتم تفعيل هذا القرار إلى حدود سنة 2025 ليصبح المطلب الأساسي اليوم في قابس منحصرا في تفكيك الوحدات الملوثة .
https://www.energiemines.gov.tn/.../Projet_de_creation...
في ضوء ما سبق، يتضح أن معاناة أطفال قابس من مشاكل الجهاز التنفسي لا يمكن فصلها عن الواقع البيئي المتدهور الذي تعيشه الجهة منذ سنوات، في ظل تواصل انبعاث الغازات السامة من المجمع الكيميائي. فالأطفال، بحكم هشاشة جهازهم التنفسي وضعف مناعتهم، يبقون الفئة الأكثر تضررًا من التلوث الجوي، وهو ما تؤكده المعطيات الطبية والدراسات العلمية وشهادات الأطباء.
