هل صحيح أنّ هناك معاهدة دولية تنصّ على “حقّ الأرض”، وأنّ تونس ليست طرفاً فيها؟
هل صحيح أنّ هناك معاهدة دولية تنصّ على “حقّ الأرض”، وأنّ تونس ليست طرفاً فيها؟
نشر موقع إلكتروني يحمل اسم “Univers News” بتاريخ 20 نوفمبر 2025 مقالاً تحدّث فيه عن تزايد ولادات المهاجرات القادمات من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس، وربط ذلك بمخاوف ديمغرافية، إضافةً إلى نقل مقترح تقدّم به أحد المحامين يقضي بمنح الجنسية لكلّ مولود على التراب التونسي. وفي هذا السياق، ادّعى الموقع أنّ هذا المقترح يستند إلى ما وصفه بـ“اتفاق دولي لحقّ الأرض”، زعم أنّ تونس ليست طرفاً فيه. وقد جرى تداول هذا المقال على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصةً فيسبوك.
وبعد تدقيق الخبر من قبل منصة “تونس تتحرّى”، تبيّن أنّه زائف.
https://universnews.tn/.../%D8%A2%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8.../
في مرحلة أولى من التدقيق، قمنا بالبحث عن مفهوم “حقّ الأرض” في محرّكات البحث والرجوع إلى مصادر دولية موثوقة لفهم الأساس القانوني لهذا المفهوم.
وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة IOM، يُعدّ حقّ الأرض (Jus Soli) أحد الأنظمة التي تعتمدها بعض الدول في تشريعاتها الوطنية لمنح الجنسية، ويعني حصول الطفل على جنسية الدولة بمجرد ولادته على ترابها، بغضّ النظر عن جنسية والديه. كما تبيّن وثائق الأمم المتحدة الخاصة بمنع انعدام الجنسية أنّ Jus Soli هو آلية قانونية تعتمدها بعض الدول لحماية الأطفال من فقدان الجنسية، لكنه ليس قاعدة دولية موحّدة. وتؤكد موسوعة بريتانيكا—المعتمدة أكاديميًا—أنّ هذا المبدأ هو خيار تشريعي داخلي يختلف من دولة إلى أخرى ويقابله مبدأ Jus Sanguinis (حقّ الدم).
تشير وثائق الأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين (UNHCR) بوضوح إلى أنّه لا توجد أيّ معاهدة دولية أو اتفاق دولي يُلزم الدول بمنح الجنسية على أساس “حقّ الأرض”، إذ يظلّ اعتماد هذا المبدأ أو عدمه قرارًا سياديًا لكلّ دولة. أمّا اتفاقية عام 1961 الخاصة بخفض حالات انعدام الجنسية، فهي لا تفرض “حقّ الأرض”، بل تدعو فقط إلى تفادي جعل الأطفال بلا جنسية في ظروف محدّدة.
كما تؤكد المصادر الأكاديمية الدولية، على غرار موسوعة بريتانيكا، أنّ مبدأ Jus Soli لا يستند إلى أيّ التزام دولي، بل يُعدّ خيارًا وطنيًا صرفًا. وبذلك، لا وجود لما يُسمّى “اتفاق دولي لحقّ الأرض” يمكن للدول الانضمام إليه أو التوقيع عليه.
https://www.iom.int/
https://www.un.org/en/
https://www.unhcr.org/
https://www.britannica.com/topic/jus-sanguinis
في السياق التونسي، لا يمنح القانون الجنسية تلقائيًا لكلّ طفل يولد على التراب التونسي، بل يعتمد مبدأً مشروطًا للولادة في تونس مرتبطًا بالنسب. فوفقًا للفصل 7 من مجلة الجنسية، يُعتبر الطفل تونسيًا إذا وُلد في تونس وكان أبوه وجدّه من جهة الأب مولودين أيضًا في تونس (ما يُعرف بـ“الحق الثلاثي بالولادة”).
لذلك، فإنّ تونس لا تعتمد “الحق المطلق في الأرض”، بل نظامًا قانونيًا يربط اكتساب الجنسية بالنسب وبالتاريخ العائلي للوالد، مع وجود استثناءات محدودة تتعلق بالأطفال عديمي الجنسية أو مجهولي الأبوين.
https://fdm-adfe-tunisie.org/.../possession-acquisition.../
https://9anoun.tn/kb/codes/code-nationalite
https://www.bu.edu/.../7.6-Final-Draft-2023_Tunisia...
في مرحلة ثانية، قمنا بالتواصل مع الأستاذ منذر الشارني، المحامي، الذي أكّد استنادًا إلى المعطيات المتوفّرة أنّه لا وجود إطلاقًا لما يُسمّى “معاهدة” أو “اتفاق دولي لحقّ الأرض”، إذ لا ينصّ أيّ صكّ دولي مُلزِم على هذا المبدأ. ويوضّح الشارني أنّ اكتساب الجنسية في تونس يقوم أساسًا على مبدأ حقّ الدم، أي استمداد الجنسية من الأب أو الأم، في حين يُعدّ “حقّ الأرض” مجرّد توجه قانوني تتبنّاه بعض الدول ضمن تشريعاتها الداخلية دون أن يستند إلى أي التزام دولي.
كما أشار إلى أنّ المواثيق الدولية التي صادقت عليها تونس, ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من الاتفاقيات ,لا تتضمّن أيّ بند يُلزم الدول بمنح الجنسية تلقائيًا لمجرّد الولادة على أراضيها. أما الاتفاقيتان المتعلّقتان باللاجئين واللتان لم تصادق عليهما تونس، فهما تؤكّدان بدورهما أنّ مسألة الجنسية تبقى قرارًا سياديًا وطنيًا خالصًا لا يخضع لأي التزام دولي يتعلق بما يُعرف بـ“حقّ الأرض”.
بناء على جميع المعطيات التي تمّ ذكرها تصنّف منصة تونس تتحرّى الخبر الذي ادّ‘ى ناشروه أنّ حقّ الأرض هو معاهدة دولية تونس ليست طرفا فيها ضمن الأخبار الزائفة.
