تفسيري

المباشرة والتمثيلية .. وجهان لديمقراطية واحدة؟

تفسيري

المباشرة والتمثيلية .. وجهان لديمقراطية واحدة؟

يعد النقاش حول النظام السياسي أحد  أبرز القضايا المطروحة التي يشهدها المجال العام حسب مفهوم الفيلسوف الألماني جورج هابرماس، وذلك في سياق تواتر الأزمات الاقتصادية في العالم، وارتفاع نسق الاحتجاجات في العديد من الدول المتقدمة على غرار التحركات الاحتجاجية لأصحاب السترات الصفراء في فرنسا والتحركات الاحتجاجية التي شهدتها بريطانيا وغيرها من الديمقراطيات العريقة التي عرفت عديد الأزمات الاجتماعية.


في تونس وفي التاسع من سبتمبر 2021، صرح المستشار في مؤسسة رئاسة الجمهورية التونسية وليد الحجام، "أن الرئيس التونسي قيس سعيد ينوي تعديل النظام السياسي في تونس ربما عبر استفتاء ومنه يفترض تعليق الدستور وإصدار نظام مؤقت للسلطات". لم يكن هذا التصريح ضمن الآراء السياسية للفاعلين في الحقل السياسي في تونس بل هي أفعال قام الرئيس قيس سعيد بالمضي فيها وذلك من خلال إصدار أمر رئاسي عدد 117 لسنة 2021 مؤرخ في 22 سبتمبر 2021، يتعلق بتدابير استثنائية، وجاء في الباب الثاني من هذا النص إصدار مجموعة من التدابير الخاصة بممارسة السلطة التشريعية، منها في علاقة بتعليق أو تجميد البرلمان التونسي، إلغاء المنح وتعطيل العمل بالمؤسسة التشريعية الأولى في الجمهورية التونسية تحديدا وفي الديمقراطية التمثيلية عموما، كما وردت في الباب الرابع من نفس الأمر أحكام خاصة، جاء فيها مواصلة العمل بتوطئة الدستور والبابين الأول والثاني منه، مع بعض الإجراءات الأخرى التي تجعل من رئيس الجمهورية يحتكر السلط الأبرز في الدولة والمتمثلة في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مع مواصلة الضغط على السلطة القضائية في جل كلماته وذلك بهدف القيام بدورها المطلوب حسب قوله. وهنا أصبحنا في تونس نتحدث عن مشروع الرئيس الذي يبدو مناهضا لما كان قائما مقابل ديمقراطية تمثيلية يعد مجلس نواب الشعب أهم رموزها.

ماهي الديمقراطية؟ ما المقصود بالديمقراطية التنفيذية والديمقراطية المباشرة؟

يعود مفهوم الديمقراطية كنظام سياسي الى الحضارة الأثينية حيث تطور هذا المفهوم مع تطور الشعوب وخصوصا مع التغير الديمغرافي الذي شهدته بلدان العالم، وكذلك ما رافق هذا من تحديث وتطور في المجتمعات، وبناءا على هذا التطور تطور أيضا مفهوم الديمقراطية وفق متطلبات الشعوب والدول ومن الديمقراطية المباشرة إلى الديمقراطية شبه المباشرة وصولا إلى الديمقراطية التمثيلية، حيث مرت الشعوب بكل هذه الأنظمة وفقا لصيغ معينة من المراكمة.

وحسب المفهوم الأساسي واللغوي للديمقراطية فهي حكم الشعب نفسه بنفسه وتم اعتمادها كأول تجربة في اليونان القديمة. ففي هذه الدولة كان يجتمع المواطنون بصفة دورية ومنتظمة بهيئة جمعية عامة يصوتون على القوانين ويعينون القضاة ويراقبون أعمال المجلس وكان يعتبر هذا النظام الديمقراطي مباشرا.

وتعتبر الديمقراطية المباشرة أول نظام سياسي شهدته الشعوب حيث يمارس الشعب بنفسه مهام سن التشريعات والقيام بمهام السلطة التنفيذية، كما كان يمارس في مدينة أثينا سابقا باليونان حاليا.

الديمقراطية شبه مباشرة وهو نظام سياسي ينتخب الشعب نوابا لمناقشة القضايا والقوانين العامة ويعين الشعب أيضا السلطة التنفيذية ويحاسبها على أعمالها.

والديمقراطية التمثيلية هي نظام سياسي يقوم الشعب فيه بانتخاب نواب لممارسة السلطة باسمه دون تحفظ مع احترام الدستور ودورية الانتخابات ومدة الحكم من أجل إعادة تعيين نواب جدد.

أي ديمقراطية في عصر الانترنت؟

شكلت الثورة المعلوماتية نافذة جديدة لنشر الثقافة والمعرفة وفي بعض الأحيان تحقيق التنمية بجميع تفرعاتها، ولعل هذا المعطى ساهم في نوع من المراكمة الفكرية للشباب في التعامل مع المشهد السياسي الذي يتعايش معه، كما في مجموعات وحسابات النشطاء في حملة السترات الصفراء كانت من أبرز الحسابات التي يزورها المواطنون في فرنسا عند خطابات الرئيس الفرنسي أو عند التحضير للتحركات الاحتجاجية

مع تطور عمل التحركات الاحتجاجية وتقاطعها مع عصر الإنترنت وغيرها من الوسائل الأخرى، يتم الحديث عن دور الديمقراطية التمثيلية في مواجهة عصر الإنترنت وخصوصا الأبعاد والوظائف التي يمكن للمواطن القيام بها، حيث لم تقتصر على تبادل المعلومات فقط بل أصبحت تمثل أدوارا أخرى منها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وعلمي وثقافي وأصبحت تؤثر في كل مجتمعات العالم. 




في تونس نحن نعيش على وقع مفهوم مشابه لهذه العملية، فالرئيس التونسي قيس سعيد، يرفض الحضور في حوارات مع الصحفيين ويعتمد على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية في تمرير وبعث رسائله ومشاريعه، الرئيس التونسي لم يخف مواقفه  للصحافة والإعلام وذلك من خلال تصريحه  خلال زيارته للصيدلية المركزية التونسية والإشراف على عملية تسلم 500 ألف جرعة من التلاقيح ممنوحة من الجمهورية الفرنسية.




كما لم يتردد رئيس الجمهورية قيس سعيد، عن تعبيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بأن النظام السياسي يعيش أزمة ومن الضروري أن يتم تغيره أو تعديله بما يتماشى مع تحديات الشعب التونسي ومتطلباته، حيث صرح في تاريخ 15 جوان 2021، مع رؤساء الحكومات السابقين ، أن هنالك" ضرورة لإدخال إصلاحات سياسية بعد أن أثبتت التجربة أن التنظيم السياسي الحالي وطريقة الاقتراع المعتمدة أدّت إلى الانقسام وتعطّل السير العادي لدواليب الدولة " كما قال في نفس اللقاء أن " أن الوضع في تونس لا يمكن معالجته بالطرق التقليدية بل يجب بلورة تصوّر جديد يقوم على إدخال إصلاحات سياسية جوهرية ومن بينها القانون الانتخابي إلى جانب بعض الأحكام الواردة في نصّ الدستور" كل هذا يجعل المنخرطين والمتابعين للشأن السياسي في تونس يتحدثون على أن رئيس الجمهورية ينوي تغيير النظام السياسي في تونس فالبعض يتحدث عن ديمقراطية مباشرة والبعض الآخر يتحدث عن تعديلات فقط وهنالك حتي من ذهب به التحليل للحديث على نظام اللجان كما كان معمولا به في ليبيا في فترة حكم معمر القدافي.

في نفس السياق، وفي علاقة بتصريحات قيس سعيد مع المفاهيم الجديدة والطرق المتطورة والمباشرة مع الشعب، صرح رئيس الجمهورية التونسية بتاريخ 21 أكتوبر 2021، أنه سينظم حوارا وطنيا بشأن تعديل النظام السياسي وقانون الانتخابات، كان هذا في لقائه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن خلال اجتماعه الدوري مع مجلس الوزراء، وهو ما جعل الرأي العام يتحدث مجددا عن الديمقراطية المباشرة والديمقراطية التمثيلية، ومن خلال هذا المنطلق حاورت منصة تونس تتحرى الأستاذ الجامعي والباحث في العلوم السياسية سحبي الخلفاوي حول هذه المفاهيم والحلول التي يمكن أن نتبعها في ظل هذه الضبابية السياسية وتعدد التأويلات.