تفسيري

ما هي طباعة الأوراق النقدية وماذا لو قامت الدول بطباعة الأموال أكثر من اللازم؟

تفسيري

ما هي طباعة الأوراق النقدية وماذا لو قامت الدول بطباعة الأموال أكثر من اللازم؟

ليس المال بشيء، لكن الكثير من المال مسألة أخرى" هي احدى أشهر مقولات المؤلف الايرلندي جو برنار شو، اذا لسائل أن يسأل ! لماذا لا تقوم البلدان بطباعة الأموال وتوفير الكثير منها لمساعدة المحتاجين و سداد الديون وجعل الناس أغنياء؟ طبعا الإجابة لن تكون لأنها لا ترغب في اثراء مواطنيها وجعلهم سعداء بل لعل الاجابة تكمن في العكس، فطباعة المزيد من الأموال لا تجعل المواطنين أكثر ثراءً، اذ يكمن التأثير الفعلي لتلك السياسة في ارتفاع الأسعار بسبب التضخم المالي والذي يمكن أن يؤدي الى انهيار الاقتصاد. سادت في اللآونة الأخيرة في تونس العديد من الأخبار المتعلقة بقيام البنك المركزي التونسي بطباعة الأوراق النقدية، وبعيدا عن اثبات صحة هذا من عدمه دعونا نتناول في هذا المقال تفسير معنى طباعة الأوراق النقدية وعلى أي أساس تتم ؟   تقنيا ماهي طباعة الأوراق النقدية؟ ماذا لو قامت الدولة بطباعة الأموال أكثر من اللازم؟

ما معنى طباعة الأوراق النقدية وعلى أي أساس تتم؟

قديماً كان يفترض على البنوك المركزية أن تحتفظ برصيد كاف من الذهب وتطبع  بالمقابل عملات قيمتها مساوية تماما لقيمة هذا الذهب، كانت البنوك المركزية حينها ملتزمة بأن تعطي مقابل العملات النقدية لأي شخص يرغب في ابدالها ذهبا.

ومع التطور الاقتصادي والاجتماعي لم يعد هذا النظام معمولاً به اذ لا تحتفظ البنوك المركزية اليوم فقط بسبائك الذهب بل أيضا بعملات أجنبية و سندات ( ديون ) وغيرها من الأمور التي تشكل غطاء لأي إصدار عملات. و تعتبر طباعة النقود من قبل البنوك المركزية عملية فنية معقدة ، فكل وحدة نقدية مطبوعة لا بدّ أن يقابلها رصيد من احتياطي النقد الأجنبي أو رصيد من الذهب، أو سلع وخدمات حقيقية تمّ إنتاجها ، حتى تكون النقود المتداولة في السوق ذات قيمة حقيقية وليست مجرد أوراق مطبوعة.

ماذا لو قامت الدولة بطباعة الأموال أكثر من اللازم؟

وعن سؤالنا لماذا لا تقوم الدول بطباعة الأوراق النقدية بصفة مكثفة ، أجابنا خبير اقتصادي في القطاع البنكي إن هذه العملية اذا تمت بطريقة غير  مدروسة تساهم في زيادة النقد الرخيص ما يعني أن النقود تفقد قيمتها وهذا عموما ينجر عنه التضخم المالي والفقاعات المالية والتي تعني أن قيمة البضائع أو الخدمات ترتفع الى درجة أن الأشخاص يجدون أنفسهم قد استثمروا الكثير من الأموال في اقتناء شيئ قيمته ضئيلة وهذه الفقاعات تحدث خاصة في أسواق سندات الدول والشركات الكبرى أي لا تمس المواطن العادي مباشرة لكنها تؤثر على المستثمرين في السندات. 

وأضاف محدثنا  إن الدولة تحدد كم تطبع من مال بحيث تحافظ على قيمة أو قوة شرائية أو سعر صرف معين ولا تطبع أكثر ولا أقل منه إذ تعد طباعة الاوراق والقطع النقدية عملية مبنية على التزام معنوي لأن الدول التي تقوم بطباعة الاموال عن طريق بنوكها المركزية تقوم بطباعة أموال موازية تقريبا لحجم اقتصادها اذ في صورة كانت الأموال المطبوعة أو المتوفرة في الأسواق تفوق حجم الاقتصاد، قيمة العملة تنخفض ما يخلق مشكلات جمة و يمكن أن يتسبب حتى في انهيار  اقتصادها وذكر الخبير مثالا دولة زمبابواي.

وبالاطلاع على تجربة زمبابواي في علاقة بطباعة النقود، فقد تخطّى التضخّم فيها  ستة آلاف مليار حيث فقدت العملة قيمتها بشكل كامل تقريباً وتوقف السكان سنة 2009 عن استخدام عملتهم  واستبدلوها بعملات أجنبية بعد أن قامت الدولة بطباعة أوراق نقدية من فئة 100  مليار وطباعة العملة وتوزيعه على المواطنين.


تقنيا ما هي عملية طباعة الأوراق النقدية؟

وعن المعنى الحقيقي لمفهوم طباعة الأوراق النقدية قال الخبير الاقتصادي معز حديدان أن خلق النقود أو ما يعبر عنه في لغة الاقتصاد "la planche à billets" هي لا تعني أن البنك المركزي يقوم بطباعة الأوراق النقدية وهي تقنية تسمح بضخ السيولة في الاقتصاد من طرف البنك المركزي، فالبنك المركزي يقوم مرة واحدة في الخمس سنوات مثلا أو أكثر بطباعة الأوراق والقطع النقدية لتجديدها وهذا أمر طبيعي، وأضاف حديدان إن البنوك المركزية العالمية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تقوم بضخ السيولة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية والأزمة الصحية المرتبطة بجائحة كورونا ،وانتهجت بذلك سياسة اقتصادية توسعية لدعم اقتصاداتها، أما في حالة تونس فان البنك المركزي التونسي لديه مخزون نقدي أو ما يعبر عنه بالقاعدة النقدية أو الكتلة النقدية وهي متكونة من النقود المتداولة والنقود التي تمتلكها البنوك ومودعة في البنك المركزي ونقود البنوك المتوفرة في خزائن البنوك وتبلغ هذه القاعدة النقدية في تونس حوالي 18 مليار دينار وهي أموال تسمح بتبادل سلع وخدمات في اقتصاد يساوي تقريبا 100 مليار دينار. إذا بلغت هذه الأموال أكثر من 18 مليار دينار يمكن القول انه تم ضخ سيولة في الاقتصاد  أكثر من حجم الاقتصاد واذا  كانت الأموال أقل من 18 مليار دينار نقول انه يوجد نقص في السيولة في الاقتصاد اذ يجب أن يكون حجم الاقتصاد في تناسق مع حجم النقود المتداولة ونتحدث عن منحى سلبي لطباعة الأوراق النقدية عندما يقوم البنك المركزي بضخ أموال أكثر من حجم الاقتصاد..

"أحيانا تحتاج الدولة للأموال بسبب نقص مواردها لسبب أو لآخر اما لسداد ديونها الخارجية أو لخلاص الأجور أو لغيرها من الأسباب" هذا ما قاله حديدان وأضاف ان الدولة تقوم في هذه الحالة بإصدار سندات الخزينة وتطلب من البنوك الاكتتاب في رقاع الخزينة ويمكن للبنوك أن ترد بأنها لا تملك الأموال الكافية  وهنا تطلب الدولة من البنوك التوجه للبنك المركزي ورهن سندات الخزينة وتعلم  البنك المركزي   بذلك فيتم في نفس اليوم اعطاء البنوك أموالا لتمويل الدولة ويرهن البنك المركزي سندات الخزينة ويضع في  حساب البنوك في البنك المركزي نفس المبلغ فكل من خزينة الدولة والبنوك لديهم حسابات جارية في البنك المركزي.

وقال محدثنا إنه "بالإضافة للقاعدة النقدية يمتلك البنك المركزي نقودا مخبأة لايقع تداولها ولا احتسابها في الاقتصاد. ويقوم البنك أحيانا بضخ سيولة منها في الاقتصاد ومن ثم ارجاع ما وقع سحبه في اجل لا يتجاوز عادة شهرين أو 3 أشهر وهذا لا يعتبر مشكلا في حد ذاته  اذا كان قصير الأجل. وأضاف حديدان "لكن المشكل الذي يقع اليوم في تونس يتمثل في أن خزينة الدولة تلتزم بانها ستقوم بإرجاع تلك الاموال في آجال قصيرة عبر خلاص البنوك فتقوم البنوك بخلاص البنك المركزي واسترجاع سندات الخزينة ويقوم البنك المركزي باتلاف تلك النقود لإخراجها من الدورة الاقتصادية .لكن هذه العملية أصبحت تحدث بصفة دورية، فالخزينة تقوم بسداد ديونها ولكنها في كل مرة تستلف أكثر فأكثر ولهذا أصبحنا نتحدث عن عملية ضخ سيولة طويلة المدى وحِدنا عن القاعدة الكلاسيكية المتمثلة في أن للبنك المركزي الحق في ضخ أموال لكن بشرط اعادة اخراجها من الاقتصاد في مدة قصيرة المدى وهذا ما سبب تضخم القاعدة المالية و التضخم المالي ويمكن أن يشكل خطورة وتهديدا على الاقتصاد".

وتبقى طباعة الأوراق النقدية في العالم ترياقا قصير الأمد لاقتصاد الدول اذ تنتهي نجاعته بمجرد أن ينتهي مفعوله ولا يمكن أن يكون حلا جذريا للبلدان التي تعاني أزمات اقتصادية بل يمكن أن يكون المشكل لما يستطيع أن يسببه من زيادة لمعدلات التضخم وفقدان العملات قيمتها، مما يفقد المستثمرين والأفراد بصفة عامة الثقة بالنقود.