تفسيري

ما هو التضخم؟ كيف يتم احتسابه في تونس؟ كيف تؤثر الظرفية الاقتصادية العالمية على التضخم في بلدنا؟

تفسيري

ما هو التضخم؟ كيف يتم احتسابه في تونس؟ كيف تؤثر الظرفية الاقتصادية العالمية على التضخم في بلدنا؟

في مكان ما من العالم يقوم أحدهم بجمع الكثير والكثير من الأموال ووضعها في كيس كبير !  توقعت مثلي تماما بأنه سيقوم بأخذها لضخها في حسابه البنكي أو اقتناء بيت أو سيارة أو ربما استثمارها في البورصة أو غيرها من الأمور الرائعة التي يمكننا فعلها بقدر هام من النقود !  أيمكنك أن تصدق أن أحدهم كان يأخذ ذلك الكيس لاقتناء رغيف من الخبز؟ أجل حدث هذا في زمبابواي خلال حكم روبرت موغابي حين بلغت نسبة التضخم 79.6 مليار في المائة في منتصف نوفمبر 2008 لتتخلى في ما بعد زمبابواي عن طباعة عملتها المحلية سنة 2009.

سيناريو زمبابواي هو من أحلك السيناريوهات التي تستطيع الدول مواجهتها في علاقة بالتضخم وجموحه.

في شهر مارس 2022 بلغت نسبة التضخم في تونس 7.2% بحسب المعهد الوطني للإحصاء، فكثٌر الحديث عن التضخم وما يمكن أن يشكله من تهديد على سلامة الاقتصاد التونسي. دعونا نتناول في هذا المقال تفسير معنى التضخم ؟ كيف يتم احتسابه في تونس؟ كيف تؤثر الظرفية الاقتصادية العالمية على التضخم في بلدنا؟ متى يكون التضخم عاديا ومتى ندق ناقوس الخطر؟

ماذا نعني بالتضخم؟

يفسر الخبير الاقتصادي محمد سويلم التضخم بأنه " مقياس لمعدل تطور أسعار الخدمات والسلع  المتداولة في الاقتصاد وهو في علاقة مباشرة بالمقدرة الشرائية للمواطن والشركات وغيرها من الأعوان الاقتصاديين، فعندما يكون هناك استقرار في الأسعار يمكن أن  يساهم هذا في الاستقرار السياسي والاجتماعي ويساهم هذا الاستقرار في انخفاض نسبة الفائدة ما يشجع على الاستثمار إن كان في الداخل أو الاستثمار الأجنبي.

وتحدد مستوى التضخم حسب الخبير الاقتصادي معز حديدان " ثنائية العرض والطلب فعندما يكون العرض أكثر من الطلب، فإن الأسعار تنخفض وعندما يكون الطلب أكبر من العرض ترتفع الأسعار وفي تونس نعاني من المشكلتين في آن واحد ما أدى الى وجود تضخم في علاقة بالانتاجية وتضخم ناتج عن العرض."

ويقول حديدان في ذات السياق أننا نفتقد في تونس الإنتاجية والفاعلية وأفادنا بمثال للتبسيط:

 "إذا أنتج عامل 10 كراسات يوميّا وصاحب الشركة يدفع له 10 دنانير مقابل ذلك فعندما ينتج هذا الشخص 12 كراسا ويعطيه المشغل نفس المبلغ لا يحدث تضخم في هذه الحالة، لأن العرض تحسن والطلب بقي على حاله. وفي المقابل عندما يدفع المشغل نفس المبلغ ويتراجع إنتاج العامل إلى 6 كراسات يوميا، فإن هذا يؤثر مباشرة على الأسعار التي ستشهد ارتفاعا نظرا إلى نقص العرض وبقاء الطلب على حاله أو ارتفاعه."

"وفي الفرضية الثانية يبقى العرض على حاله في حين يشهد الطلب ارتفاعا نتيجة إلى زيادة كتلة النقود المتداولة في الاقتصاد ويكون هذا راجعا عادة إلى ارتفاع الأجور أو زيادة قروض الاستهلاك، ما  يعني أن المستهلك الذي كان قادرا على شراء كراس واحد، يصبح قادرا على شراء اثنين في حين أن العرض لم يتغير ما يعني أن بائع الكراس سيزيد في سعره نظرا إلى زيادة الطلب عليه."

كان هنالك حديث في الآونة الأخيرة عن أن ما سجلناه من نسبة تضخم غير مسبوق، ولكن هذا الأمر غير صحيح. يقول الخبير الاقتصادي محمد سويلم أن نسبة التضخم كانت في تونس في الفترة الممتدة بين شهري مارس وديسمبر سنة 2018 أعلى من النسبة المعلن عنها في شهر مارس 2022 وهي 7.2%  حيث بلغت ذروتها في شهر جوان 2018 لتصل إلى 7.7%

وقد تم السيطرة حينها على هذا التضخم نتيجةً للسياسة التقييدية  politique restrictive  laالتي انتهجها محافظ البنك المركزي مروان العباسي الذي عُين حديثا حينها، والتي اقتضت الترفيع في سعر الفائدة وتقليل اقتراض البنوك وقام بتحديد نسبة الائتمان الى الودائع بأن لا تتجاوز 120% يعني أن الاقتراض لا يمكن أن يتجاوز 1.2 من قيمة الوديعة وساهت هذه الإجراءات في تراجع نسبة التضخم واستمرت في التراجع الى أن بلغت أقل معدل في مارس 2021 بـ 4.8%

كيف يتم احتساب نسبة التضخم في تونس؟

"يتم تسجيل أكثر من 200 ألف سعر كل شهر وذلك بالاستعانة بــ 45 عونا ميدانيا موزعين على كامل تراب الجمهورية مع 5 نظار على المستوى المركزي، يتولون المتابعة الحينية والتقييم والتعديل والإصلاح. ويتم الاعتماد خلال عملية تسجيل الأسعار على الحواسيب الجيبية." هكذا يتم جمع مؤشرات أسعار السلع والخدمات حسب ما أكده المكلف بالإعلام بالمعهد الوطني للإحصاء حسن الغزلاني لـ"تونس تتحرى".

 

"وتشمل عمليات تسجيل الأسعار أكثر من 4000 نقطة بيع موزعة على كامل التراب التونسي من الفضاءات التجارية الكبرى والمتوسطة إلى المحلات التجارية والأسواق البلدية والأسبوعية"، حسب ذات المصدر.

ويتم احتساب مؤشر الأسعار، كما يوضح الغزلاني، من خلال مقارنة معدل سعر كل مادة بسعرها خلال الشهر الفارط، في حين تحتسب نسبة التضخم بمقارنة مؤشر أسعار هذا الشهر مع نفس شهر السنة السابعة باعتماد الانزلاق السنوي. وتتم هذه العملية اعتمادا على سنة 2015 كسنة أساس، علما بأن سنة الأساس يتم تحيينها كل 5 سنوات اعتمادا على نتائج المسح الخماسي حول الإنفاق والاستهلاك ومستوى عيش الأسر.


تونس ليست في معزل عن العالم

"بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لأسعار الأغذية في شهر مارس 2022   159.3نقطة ، أي بزيادة قدرها 17.9 نقاط عن مستواه المسجّل في شهر فيفري، محققا بذلك قفزة نوعية ليسجّل أعلى مستوى له منذ إرسائه في عام 1990. وتُظهر الزيادة الأخيرة ارتفاعًا جديدًا في المؤشرات الفرعية لأسعار الزيوت النباتية والحبوب واللحوم لتبلغ أعلى مستويات لها على الإطلاق، بينما سجّل المؤشران الفرعيان لأسعار السكر ومنتجات الألبان ارتفاعا كبيرا أيضا."

أما في تونس فقد شهدت نسبة التضخم تراجعا في سنة 2021 لتصل الى أدنى مستوى لها في شهر مارس 2022 بنسبة 4.8%  ويعود هذا التراجع حسب معز حديدان الى أن العالم بأسره شهد في تلك الفترة ركودا اقتصاديا بسبب جائحة كورونا نظرا إلى تراجع العرض والطلب على السلع والخدمات. إضافة إلى ارتفاع الأسعار في السوق العالمية وهذا خارج عن نطاق الدولة وكلفة الإنتاج عند المواد و نقص احتياطي الدولة من العملة الصعبة الذي جعلها تلجأ إلى شراء العملات بملغ أكبر ما يعني أن كلفة المواد التي سيتم استيرادها ستكون أكبر ما انجر عنه التضخم المورّد.

 ويضيف الخبير الاقتصادي في هذا السياق إنه "مع استئناف النشاط الاقتصادي وبداية رجوعه إلى وتيرته العادية بدأت نسبة التضخم في تونس بالصعود مجددا لأن كل الدول والشركات بدأت في عملية إعادة تكوين مخزوناتها من المواد الصناعية والأولية يعني أن إعادة تدوير عجلة الاقتصاد العالمي انجر عنه بداية ارتفاع في الأسعار في العالم إلى أن وصلت نسبة التضخم حتى قبل بداية الحرب الروسية الأوكرانية في جانفي 2022 إلى 6.7% .وفاقم الوضع  بداية الحرب بين روسيا وأكرانيا باعتبار أن روسيا بلد مصدر للنفط  وأن روسيا وأوكرانيا من أولى البلدان المنتجة والمصدرة للحبوب ما تسبب في ارتفاع الاسعار في الأسواق العالمية ما زاد في حدة هذا التضخم ووتيرته".

ويمسّ  التضخّم تونس بشكل خاص لأن المقدرة الشرائية للمواطن متدهورة ولأن هذا التضخّم تعلق بالأخصّ بمواد حيوية يستهلكها التونسي بكثرة مثل مادتي البنزين والخبز الذي عرف في الأيام الأخيرة نقصا هاما مع محافظته على نفس الأسعار إضافة إلى عوامل أخرى مثل تهريب السلع إلى دول الجوار.

وبالرّغم من أن ارتفاع الأسعار لم يشمل مادة الخبز على وجه الخصوص، إلّا أنّه شمل تقريبا كافة المواد الغذائية الأخرى على غرار اللحم والدجاج والخضر والغلال والبيض الذي بلغ التضخّم فيه شهر مارس نسبة 20% .

متى يكون التضخّم عاديا؟

"عندما تكون نسبة التضخم في حدود 2 % أو 3% تُعد أمرا طبيعيا بل ومثاليا في حالات" هذا ما أكده معز حديدان لـ"تونس تتحرى"، فالبلدان التي لديها نسبة تضخم أقل من 2% ترغب في ترفيعها الى 2% .نأخذ على سبيل المثال اليابان الذي تبلغ فيه نسبة التضخم 0% وهذا مؤشّر سيّئ لأنّ الأسعار عندما تشهد ركودا تاما ولا ترتفع كلياًّ، فإنّ هذا لا يشجع الشركات على الإنتاج فالعجلة الاقتصادية تقتضي نسق تضخم معين لتستمر في الدوران.

لماذا يُعَدّ تجاوز التضخّم نسبة 3% مؤشرا سيّئا؟

مثل "الأفعى التي عندما تسرع كثيرا تلتهم ذيلها" هكذا يشبه معز حديدان التضخّم، فعندما يبلغ مستوى عال وتغرق السوق الاقتصادية بالأموال الرخيصة التي لا قيمة حقيقية لها، فإن الطلب الذي يعتبر المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي يشهد نقصا والقدرة الشرائية للمواطن تتدهور إلى درجة تجعله يتوقف عن اقتناء بعض السلع أو الخدمات، ما يجعل من ينتجها يتوقف عن إنتاجها. وبالتالي لا يستطيع توفير تكلفة اليد العاملة فيخسر العامل وظيفته. وهنا نتحول إلى الحديث عن أزمة على مستوى النمو الاقتصادي وعلى مستوى البطالة وغيرها من المؤشرات الأخرى التي يمكن أن تؤدي إلى أزمة اقتصادية.

تصل نسبة التضخم في بعض بلدان العالم إلى رقمين أو حتى ثلاثة أرقام، وكلما ارتفعت الأرقام كلما احتجنا لكيس أكبر من النقود لقضاء شؤوننا اليومية. وإن كانت هنالك أمور كثيرة تؤثر في نسبة التضخم خارجة عن سيطرتنا، فإنه بإمكان الدول دائما مراجعة سياستها وتصميم مخططات إنقاذ أولها دائما دفع الإنتاج والإنتاجية. وإن كنت استمعت إلى هذا المصطلح كثيرا مؤخرا، نرجو أن تكون الأمور أوضح ولو قليلا في ذهنك الآن.