تفسيري

الشعبوية. . ما هي؟ وهل تخنق الممارسة الديمقراطية؟

تفسيري

الشعبوية. . ما هي؟ وهل تخنق الممارسة الديمقراطية؟


"هذه الصور ستغير بشكل دائم تصور العالم للولايات المتحدة. مع الأسف جاء هذا الانتقاص للديمقراطية في وقت تتقدم فيه الشعبوية القومية في كافة أنحاء العالم،" كان هذا تعليق مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما على مشهد سيبقى في الأذهان طويلا لمواجهات بين قوات الأمن ومواطنين اقتحموا مبنى الكابيتول في السادس من جانفي 2021.

فقبل الإعلان بدقائق عن نتائج فوز الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، اقتحم أنصار ترامب أهم مؤسسة ترمز للديمقراطية في الولايات المتحدة، خلال اجتماع أعضاء الكونغرس للمصادقة على فوز المنتصر في الانتخابات المنعقدة سنة 2021.




كان هذا على خلفية خطاب دعا فيه زعيم الحزب الجمهوري أنصاره للتظاهر والنضال من أجل دعم المشرعين الجمهوريين لمساعدتهم على استعادة البلاد معتبرا أن إقدامهم على هذه العملية يأتي في إطار مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.


عندها كان الخطاب الشعبوي الذي يعتمده الرئيس المنتهية عهدته دونالد ترامب في قفص الاتهام، بل رأى خبراء أن تفشي هذا الخطاب سيؤدي بأمريكا إلى انقسامات ومشاكل كثيرة.

ولكن صعود التيار الشعبوي لم يكن حكرا على الولايات المتحدة، بل عرف إقبالا لدى الناخبين في عدد من الدول الأوروبية حيث أمن حزب البديل في ألمانيا المرتبة الثالثة في الانتخابات الفدرالية سنة 2017 وصعدت الشعبوية في أوكرانيا ورمانيا وغيرها. وفي تونس  اعتبرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير يتضمن قائمة المراقبة لسنة 2022، والتي تشمل 10 بلدان تواجه صراعات مميتة أو حالات طوارئ إنسانية أو أزمات آخرى أن الأزمة الاقتصادية في تونس قد تدفع الرئيس قيس سعيد إلى التمادي في الخطاب الشعبوي لتوجيه إحباط مؤيديه الذين يتوقعون منه "تطهير" مؤسسات الدولة. في هذا المقال سنحاول أن نفهم أكثر ما  المقصود بالشعبية؟ وما هي العوامل التي تسمح بازدهارها؟


ماهو التعريف لمصطلح الشعب، وماهو الخطاب الشعبوي؟ وهل تساهم الخطاب في قتل الديمقراطية؟

قمنا بطرح هذه الأسئلة على الأستاذ الجامعي والباحث في العلوم السياسية محمد الصحبي الخلفاوي الذي عرف مصطلح الشعب بأنه " حسب التعريف القانوني هو مجموع المواطنين في دولة ما، حيث يعتبر هذا التعريف معقولا، لكن من وجهة نظر سوسيولوجية لا نتحدث عن شعب بل نتحدث عن مجتمعات لأن مصطلح الشعب كلمة مفردة تفترض الوحدة، وبالتالي يتحول الشعب إلى كتلة واحدة لا تحمل الاختلافات والتناقضات، وهذا يعتبر غير ملائم لقوانين المجتمعات، لأن المجتمعات فيها العديد من التناقضات الاقتصادية والثقافية والطبقية وخصوصا السياسية وبناءا على هذا التعريف يكمن الخطر في التحدث بإسم الشعب، لأن كل من يستدل خطابه من منطلق الشعب فهو يحمل في داخله تصورا واحدا وفرديا للشعب، ومن خلال هذا السياق فكل من يخرج على هذا المنهج يعتبر خارج صف الشعب ومن هنا يتم إقصائه." كما اعتبر في نفس السياق أن " تصور مصطلح الشعب المعرف بالألف واللام يفترض أنه من الضروري أن تكون كل الشخصيات متشابهة ومن هذا المنطلق نتحدث على ضرب للحرية والتناقضات الواقعية وفيه أيضا تغليب جزء من المجتمع على جزء آخر."


هل الشعبوية إيديولوجيا سياسية؟

في علاقة بالشخصية السياسية الشعبوية باستخدام الفاعلين السياسيين في تونس لهذا الخطاب عند القيام بحوارات السياسية قمنا بطرح سؤال ماهو الخطاب الشعبوي وسياقه التاريخي في تونس؟ وهل يمكن اعتبار الخطاب الشعبوي إيديولوجيا سياسية؟ قال الأستاذ الجامعي والباحث في الميديا الصادق الحمامي أنه " لا يمكن اعتبارها إديولوجيا، لأنها لا تحتوي على تصور دقيق للاقتصاد أو كيف يجب أن يكون التعليم، هي تحتوي فقط على بعض من الإيديولوجيا لكن لا يمكن لها أن تضاهي الإيديولوجيات التاريخية (مثل الليبرالية أو الشيوعية أو غيرها) في حين أن الشعبوية تقوم على مبدإ أنها تدعى الحديث بإسم الشعب وتمثيله." وأضاف أن "كل فاعل سياسي يدعي أنه يتحدث بإسم الشعب أو يمثله يمكن اعتبار هذا الفاعل السياسي شخصية شعبوية، وهو ماقمت به حركة النهضة في السنوات الفارطة وكذلك عبير موسي وحمة الهمامي وخصوصا الرئيس الحالي قيس سعيد، فهم من أبرز الوجوه السياسية التي تعتمد الخطاب الشعبوي، فالزعيم الشعبوي دائما ما يعتبر أنه في علاقة مباشرة مع الشعب وبأنه لا يهتم بما يتم تداوله في الميديا الاجتماعية ويستهزء في بعض الأحيان بالإعلام، ومثال على هذا تصريح الرئيس قيس سعيد. إن الشعبويين يكونون عادة مناهضين للنخب، ذلك لأن ادعاء تمثيل الشعب يرتبط بنزع الشرعية عن الآخرين " وقال الباحث في الميديا  إن "الزعيم الشعبوي دائما ما تكون له مكانة فيها نوع من الغموض فهو يتحدث بإسم الشعب ويقدس الشعب."

الشعبوية والديمقراطية .. متلازمان؟

 يتزامن بروز الخطاب الشعبوي في تونس مع ظهور الديمقراطية حيث صرح الحمامي بأن "أغلب السياسيين الذين ظهروا منذ الثورة أي سنة 2011، هم شخصيات تعتمد الخطاب الشعبوي لكن الرئيس الحبيب بورقيبة لا يمكن أن يكون شخصية شعبوية، ذلك بسبب المكانة التي كان يعتبرها هذا الأخير بكونه متعاليا على الشعب، حيث لم يصرح في خطاباته بأنه يمثل الشعب بل كان يعتبر أن الشعب لا يعرف ما يريد، وهو يعرف ما يريده الشعب حيث وضع نفسه في صنف معلم أو أب لهذا الشعب، واعتبر نفسه  زعيما يبني أمة وهنالك أفراد حوله، وإذا قارنا علاقة قيس سعيد و الحبيب بورقيبة بالشعب فهي علاقة مختلفة." وأفادنا بأن "حركة النهضة على سبيل المثال كانت حركة شعبوية قبل ممارسة السلطة وعند بلوغها الحكم تحولت إلى جزء من المنظومة السياسية، كذلك الأمر في علاقة بالرئيس المنصف المرزوقي حيث أطلق حزبا أو حركة سياسية سماها "حراك شعب المواطنين" بالإضافة إلى حزب نداء تونس، فهم المسؤولون عن ظهور الشعبوية في تونس. ذلك لأن الشعبوية مرتبطة بفشل النخبة في إدارة شؤون البلاد وتخلق عند المواطنين إحساسا بعدم القدرة على حمايتهم، تفسح مجالا للشعبويين للخروج في دور المنقذ والمثال على هذا دونالد ترامب حيث يقول إن النخب لم تكن قادرة على حماية مصالح الشعب الأمريكي ومن خلال أطروحاته يريد حمايتهم من آثار العولمة."


وفي علاقة بين الخطاب الشعبوي والنظام الديمقراطي في الدول اعتبر الباحث في العلوم السياسية الصحبي الخلفاوي أن " السياسة قائمة على التناقض وعلى الصراع، لكن الصراع السياسي لا المجتمعي، حيث أن فكرة السياسة تتمثل في إخراج التناقضات الاجتماعية وتحولها إلى تناقضات سياسية لكي يبقى الصراع في المجال السياسي، فإذا انتقل الصراع إلى المجتمع تتحول آليات حل الصراع داخل المجتمع إلى آليات عنيفة، ومن هنا تكمن خطورة استخدام مصطلح الشعب خصوصا عند اعتماد عملية نقل الصراع المجتمعي إلى الساحة السياسة ثم إعادة إرساله للمجتمع والخطر يكمن في هذا الجانب." وقال الخلفاوي بخصوص هذا الجانب "لنتفق على ماهي الشعبوية... البعض يعتبرها خطابا، والبعض الآخر يرى أنها إستراتيجيا وأنا أنتمي للأشخاص الذين يصنفونها في خانة الإيديولوجيا غير متينة قائمة على فكرة أن المجتمع يتكون من كتلتان يتمثلان في الشعب والنخبة وهي متجانسة في داخلها ومتناقضة بين بعضها والصراع بين الكتلتين بالضروري أن ينتهي بفوز الشعب والذي يرمز إلى النقاء على النخب التي ترمز إلى الفساد." وأفاد في ختام حوارنا معه بخصوص هذا السؤال أن " الأزمة السياسية تعتبر حاصلة والدليل على هذا صعود الشخصيات الشعبوية في مراكز سياسية متقدمة في العديد من دول العالم، والذي ينكر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية هذا يعد مشكلا، نعم فالشعبوية تمثل خطرا ذلك لأنها تقوم حسب العديد من الأمثلة في العالم على ضرب مفهوم النخبة واستبداله." في علاقة بنفس هذا السؤال قال الأستاذ الجامعي الصادق الحمامي أن " هذا نقاش علمي، وهنالك العديد من المنظرين الذين يعتبرون أن الشعبوية هي فرصة لتجديد النظام السياسي، ولمراجعة مكانة النخب وإبعادها عن السلطة، فلننظر من زاوية أكبر لماذا ظهرت الشعبوية؟ لأن النخب السياسية استفردت بالسلطة كلها (من منصف المرزوقي وصولا لنداء تونس أو تحيا تونس) وحولت السياسة لعبت التنافس عن السلطة ومن هنا طبيعي أن المواطنون يغضبنا على النخب، فالشعبوية تعبر على غضب الشعب من هذه الزاوية، لكن نعم يمكن للشعبوية أن تمثل خطرا على الديمقراطية لأنه لا توجد ديمقراطية دون أجسام وسيطة أو أحزاب أو مجتمع مدني أو صحافة وهذا الشكل من الديمقراطية بالضرورة ستؤدي بنا بعد فترة قصيرة إلى نظام فاشي، ولهذا من نتائج الشعبوية أنها تخلق حالة وعي للناس بضرورة وجود صحافة وغيرها من الأجسام الوسيطة القوية، وتجبر الفاعلين في إعادة تفكير في المسار الانتقال الديمقراطي."


حسب المؤشرات والتحاليل التي يتحدث عنها عديد الخبراء والفاعلين في الشأن السياسي سيعيش العالم في هذه الفترة على وقع هذا النقاش بين الشخصيات السياسية التقليدية والشخصيات الشعبوية ذلك مع تراجع الدور  الاجتماعي للعديد من الدول بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم، فمن غير المستبعد أن تسجل هذه الشخصيات حضورها في عديد من المناصب السياسية الهامة في تونس والعالم أيضا.