تفسيري

القضية الفلسطينية في لاهاي: ما هي محكمة العدل الدولية؟ وما هي اختصاصاتها؟

تفسيري

القضية الفلسطينية في لاهاي: ما هي محكمة العدل الدولية؟ وما هي اختصاصاتها؟

مثّل رفع جمهورية جنوب افريقيا لقضية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني مع المطالبة بوقف العمليات العسكرية في قطاع غزة سابقة أممية ضد الكيان الصهيوني ، وتقدمت جنوب افريقيا بالقضية بصفة رسمية وتم تحديد موعد أولى جلساتها الخميس 11 جانفي 2024.


لاقت هذه الخطوة استحسانا كبيرا و رضا كبيرا من قبل مؤيدي القضية الفلسطينية, الذين أشادوا بأهميتها. ولاحظنا في الأثناء أن العديد من مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي قد طرحوا عديد التساؤلات حول مهام محكمة العدل وحول الفرق بينها وبين محكمة الجنايات الدولية، فما هي محكمة العدل الدولية؟ ، وماهي أسس عملها؟ ، وما الفرق بينها وبين محكمة الجنايات الدولية؟.


شكلت القضية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر 2023 ملفا أمميا شائكا لما خلفته الحرب من دمار واستهداف للمدنيين والأطفال الفلسطينيين في حرب إبادة جماعية قادها الكيان الصهيوني المحتل في وجه المقاومة الفلسطينية وفق عدد من الخبراء والمواقف الدولية الرسمية المطالبة بوقف العدوان الصهيوني على المواطنين الفلسطينيين ، غير أن هذه المواقف لم توقف الحرب الدائرة في قطاع غزة رغم الهدنة المقامة سابقا في القطاع والتي تعهد فيها الكيان بإيقاف كل العمليات العسكرية .


جاء القرار بالتوجه إلى المنتظم الأممي  من قبل جنوب افريقيا,  لكنها لم تختر التوجه  إلى مجلس الأمن أو إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة أو إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، وإنما كان القرار بالتوجه للتقاضي أمام محكمة العدل الدولية في تهم للكيان بالإبادة الجماعية ، فما هي محكمة العدل الدولية ، وماهي اختصاصاتها ؟



محكمة العدل الدولية
بالعودة إلى الموقع الرسمي لمحكمة العدل الدولية وجدنا أن مقرها يقع في قصر السلام في مدينة لاهاي بهولندا، وتأسست عام 1945 كوسيلة لتسوية النزاعات بين الدول وتقدم المحكمة أيضا آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي أحيلت إليها من قبل أجهزة الأمم المتحدة الأخرى المعتمدة.


وبالعودة إلى الموقع الرسمي للأمم المتحدة نجد تعريفا لمحكمة العدل الدولية بأنها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. وتتولى المحكمة الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.


والمحكمة الدولية أو العالمية كما يتم تسميتها واحدة من الأجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة، التي تشمل الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة، كما أنها الجهة الوحيدة التي لا يوجد مقرها في نيويورك.


اختصاصات محكمة العدل الدولية
ومن ناحية أخرى فإن محكمة العدل ليست محكمة عليا يمكن للمحاكم الوطنية أن تلجأ إليها على عكس محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي فهي لا تستطيع النظر في النزاع إلا عندما يُطلب منها ذلك من قبل دولة واحدة أو أكثر.


وأضاف التعريف أن المحكمة تتكون من 15 قاضيا، يتم انتخابهم لولاية مدتها تسع سنوات من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. وتجرى الانتخابات كل ثلاث سنوات لثلث المقاعد، ويجوز إعادة انتخاب القضاة المتقاعدين ولا يمثل أعضاء المحكمة حكوماتهم، بل هم قضاة مستقلون.


وتنص المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة على أن كل عضو من أعضاء "الأمم المتحدة" يتعهد أن يطبق حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها. وفي حال امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فالطرف الآخر له الحق أن يلجأ إلى مجلس الأمن. وبإمكان هذا الأخير تقديم توصياته أو إصدار قرار بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم".


محكمة العدل الدولية هي المحكمة الدولية الوحيدة التي تتولى تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة ، وللمحكمة مساهمة مهمة في تحقيق السلم والأمن العالميين وتوفر وسيلة للدول لحل القضايا دون اللجوء إلى الصراع.


وتجدر الإشارة إلى أنه بإمكان أي دولة عضو أن ترفع دعوى ضد أي دولة عضو أخرى، سواء كانت في صراع مباشر أم لا، خاصة عندما تكون المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي على المحك.


الفرق بين محكمة العدل ومحكمة الجنايات
بعد أن تعرضنا أعلاه إلى تعريف محكمة العدل الدولية وجب التعرف أيضا إلى محكمة الجنايات الدولية باعتبار أن قضايا محكمة العدل الدولية تشمل دولا، أما المحكمة الجنائية الدولية فهي محكمة جنائية تُرفع فيها قضايا ضد أفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.


المحكمة الجنائية الدولية تأسست في 2002 وهي هيئة قضائية مستقلة يخضع لاختصاصها الأشخاص المتهمون بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ، وهي أحد أجهزة الأمم المتحدة، فإن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانونا عن الأمم المتحدة (على الرغم من اعتمادها من قِبل الجمعية العامة).


القضية الفلسطينية من غزة إلى لاهاي
مع تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومع الصمت الدولي عن الحرب في القطاع ومع التحرك الشعبي العالمي في أغلب شوارع العالم خيرت جنوب افريقيا التقدم إلى القضاء الدولي واتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية والفشل في منع الإبادة الجماعية ومحاكمة المسؤولين الذين حرضوا علانية على الإبادة مع المطالبة بقرار يلزم الكيان الصهيوني بتدابير مؤقتة لمنع الإبادة ، فما هي التدابير المؤقتة ؟، وما هي طبيعة أحكام محكمة العدل الدولية؟ ، وهل تعتبر قراراتها إلزامية ؟ ، وما هي درجات التقاضي في أحكام المحكمة الدولية ؟ كل هذه الأسئلة يجيبنا عنها أستاذ القانون العام والعلاقات الدولية عبدالمجيد العبدلي.


باتصالنا بالأستاذ عبدالمجيد العبدلي, أكد لنا أن دولة جنوب إفريقيا طلبت محاكمة اسرائيل من أجل جريمة الإبادة الجماعية وأنه هناك اتفاقية بتاريخ 9 ديسمبر 1948 لمعاقبة جريمة إبادة الأجناس والتي تم اتخاذها قبل أن تتكون إسرائيل كدولة والتي ترفضها إسرائيل حاليا, وتشير إلى أن المحكمة غير مختصة ، وتقول الإتفاقية في صورة التأويل إلى أن تطبيقها وتأويلها يعطى اختصاصا لمحكمة العدل الدولية التي تحاكم الدول فقط دون محاكمة الأفراد عكس المحكمة الجنائية الدولية التي تحاكم الأفراد والتي وصلتها دعاوى أخرى مرفوعة ضد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع يواف غالانت.


وأكد العبدلي أن "جنوب إفريقيا طالبت بالتدابير المؤقتة والتي يتم إتخاذها في صورة وجود خطر حاصل يهدد الحق المطلوب حمايته باعتبار أن عدد القتلى يصل تقريبا إلى حدود 50 ألف فلسطيني وعدد الجرحى الذي يتجاوز 100 ألف وعدد المهجرين  وهو ما يتجاوز الأعداد المصرح به" ، والتدابير المؤقتة تنص على إلزام دولة اسرائيل بوقف جريمة الإبادة ضد سكان قطاع غزة وهي في سياق "الحكم الإستعجالي" ولها صفة الحكم الملزم وتكون غير قابلة للطعن ولا يمكن استئنافها ، "وهناك نسبة 90 % تقريبا في إمكانية إصدار التدابير المؤقتة قريبا مع أن الكيان لن ينفذ هذا الحكم وفي صورة رفض تطبيق التدابير المؤقتة بإمكان دولة جنوب إفريقيا أن تطلب من مجلس الأمن إلزام اسرائيل بتنفيذ حكم التدابير المؤقتة وفق المادة 94 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة".


وأضاف العبدلي أن تطبيق تنفيذ التدابير المؤقتة في ظل عدم تطبيقها من قبل اسرائيل وتمريرها إلى مجلس الأمن لإلزام إيقاف الإبادة الجماعية في حق سكان قطاع غزة فإنه سيقابل بالرفض أيضا باستعمال حق النقض "الفيتو" من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حسب قوله وهو ما سيفضح مجلس الأمن ويؤكد قيام اسرائيل بـ "الإبادة الجماعية" التي تعرّف على أنها نية إثناء وإنهاء مجموعة بشرية كليا أو جزئيا على أساس (اللغة والجنس والدين…) وبإعلان اسرائيل قطع الماء والكهرباء والأدوية وكل المقومات الأساسية يؤكد قيام اسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية.


وعن تنفيذ هذه التدابير مع اللجوء إلى مجلس الأمن أكد العبدلي أن "المجلس يحوي عائقا كبيرا باعتبار وجود مجموعة من الدول المساندة لإسرائيل والتي تمتلك حق النقض وبالتالي من الصعب تنفيذ التدابير المؤقتة التي ستصدرها محكمة العدل الدولية والتي تواصل أيضا النظر في جريمة الإبادة الجماعية بحكم يكون نهائيا غير قابل للطعن بتاتا إلا في حالة المراجعة وذلك في صورة الإدلاء بأدلة جديدة كانت غير معلومة للمحكمة وللطرف الذي يطلب مراجعة الحكم وهو ما لا يتوفر في جانب إسرائيل" ، وأضاف العبدلي أن "المحكمة غير مقيدة بمدة زمنية لإصدار التدابير المؤقتة غير أن الوضع الراهن يفرض على المحكمة أن تصدر حكمها في التدابير المؤقتة في أقرب الآجال".


وقال العبدلي "إذا لم تصدر المحكمة حكما قريبا في تنفيذ التدابير المؤقتة بإيقاف جريمة الإبادة فستفقد المحكمة قيمتها المعنوية شأنها شأن مجلس الأمن" مشددا على أن القضاة في المحكمة وجب أن تتوفر فيهم النزاهة والحياد والمقدرة وعدم تمثيلهم لدولهم ، "ووجب عدم تسييس المحكمة كفرع من فروع منظمة الأمم المتحدة لتلتحق بركب مجلس الأمن" ، مضيفا أن "قلة الثقة في القضاة تمس من سمعتهم ومكانتهم" حسب قوله.


وتجدر الإشارة إلى أن محكمة العدل الدولية في لاهاي انطلقت الخميس 11 جانفي 2024 في أولى جلسات استماع في دعوى جنوب أفريقيا والتي تتهم فيها إسرائيل بعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي أقرتها الأمم المتحدة في عام 1948 خلال هجومها على غزة.

حاولنا في هذا المقال التفسيري التعرف على محكمة العدل الدولية وعلى طبيعة اختصاصها والفرق بينها وبين المحكمة الجنائية في التخصص ، كما حاولنا الوقوف أكثر على أحكام المحكمة وطرق تطبيقها ومدى إلزاميتها على دول المنتظم الأممي ، مع إعتماد رأي الخبير في القانون الدولي عبد المجيد العبدلي للوقوف على مسار القضية واستقراء الأحكام في ملف القضية الفلسطينية في محكمة لاهاي.