تفسيري

حالة الطوارئ بين الإعلان والتمديد … القوانين المنظمة والصلاحيات الإستثنائية

تفسيري

حالة الطوارئ بين الإعلان والتمديد … القوانين المنظمة والصلاحيات الإستثنائية

م رئيس الجمهورية يوم 30 جانفي 2024 بتمديد حالة الطوارئ في الجمهورية التونسية في أمر جديد تحت عدد 97 لسنة 2024 مؤرخ في 30 جانفي 2024 ونشر بالرائد الرسمي يوم 31 جانفي 2024 جاء فيه تمديد حالة الطوارئ من 31 جانفي إلى حدود 31 ديسمبر 2024.

حالة الطوارئ التي يتم التمديد فيها عديد المرات ليشمل كامل تراب الجمهورية التونسية في ظل الوضع الراهن يطرح عددا من الأسئلة عن قانون الطوارئ.
 
  فما هي   أسباب اتخاذه ؟   وكيف يتم  التمديد فيه؟  وما هي  أهم الصلاحيات التي تتغير في هذه  الفترة  مقارنة  بصلاحيات  الوضع العادي؟ 



يبقى قانون حالة الطوارئ بعد التمديد الذي أصدره رئيس الجمهورية اليوم فاعلا إلى حدود 31 ديسمبر 2024 وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أصدر عددا من الأوامر الرئاسية التي مددت من قبل  في حالة الطوارئ في الجمهورية التونسية منها الأمر عدد 47 لسنة 2023 مؤرخ في 30 جانفي 2023 يتعلق بتمديد حالة الطوارئ ابتداء من 31 جانفي 2023 إلى غاية 31 ديسمبر 2023. وآخرها كان الأمر عدد 814 المؤرخ في 29 ديسمبر 2023 يتعلق بإعلان حالة الطوارئ ، والذي جاء فيه "تعلن حالة الطوارئ في كامل تراب الجمهورية التونسية لمدة شهر ابتداء من 1 جانفي 2024 إلى غاية 30 جانفي 2024".


بمتابعة الأوامر الرئاسية وجدنا أن كل الأوامر المتعلقة  بحالة الطوارئ  هي صادرة عن  رئيس الجمهورية الذي يقوم بالإعلان عن حالة التمديد فيها بناء على الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021  المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 و المتعلق بالتدابير الاستثنائية ، والأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 والمتعلق بتنظيم حالة الطوارئ والذي يبقى المرجع الأساسي في إعلان حالة الطوارئ في القانون التونسي والذي جاء في فصوله الـ 3 الأولى أنه "يمكن إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإما في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة " و"تعلن حالة الطوارئ لمدة أقصاها ثلاثون يوما بمقتضى أمر يضبط المنطقة أو المناطق الترابية التي يجرى العمل به في داخلها" كما أنه "لا يمكن التمديد في حالة الطوارئ إلا بأمر آخر يضبط مدته النهائية".

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس التونسي السابق  الحبيب بورقيبة قد قام بإعلان حالة الطوارئ مرتين. الأولى خلال  أحداث الخميس الأسود وذلك بين 26 جانفي 1978 و24 فيفري 1978 والتي شهدت فيها تونس أحداثا دامية حيث  أطلقت  قوات الجيش والأمن النار على آلاف الشغالين المحتجين الذين دخلوا في إضراب بقيادة الإتحاد العام التونسي للشغل احتجاجا على  تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية. أما حالة الطوارئ الثانية فكانت  قبل انتهاء أحداث الخبز بأيام، حيث  تم إقرارها بين 3 جانفي 1984 و25 جانفي 1984 ، بعد أن اندلاع الأحداث  في 29 ديسمبر 1983  التي راح ضحيتها مئات من التونسيين بين معتقلين وآخرين تم قنصهم بالذخيرة الحية بعد الاحتجاج على زيادة سعر الخبز ورفع الدعم على عدد من السلع الأساسية.

قام الرئيس السابق زين العابدين بن علي بفرض حالة الطوارئ  يوم  14 جانفي  2011 ساعات قبل مغادرته البلاد أثناء الثورة التونسية و تواصلت  إلى حدود 5 مارس 2014 قبل أن يقوم الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي برفعها لأول مرة بعد قيام الثورة في تونس.

شهدت تونس أيضا إعلان حالة الطوارئ يوم 4 جويلية 2015 وذلك إثر هجوم سوسة المسلح، و تمّ رفعها  في 2 أكتوبر 2015 . و تمّ استئناف العمل بها يوم 24 نوفمبر 2015  إثر تفجير حافلة للأمن الرئاسي بشارع محمّد الخامس بالعاصمة. الهجوم  الذي خلّف 12 قتيلا و16 جريحا و الذي قام تنظيم "داعش" بتبنيه  ما دعى رئيس الجمهورية السابق  الباجي قايد السبسي حينها إلى إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوم وحظر التجول ليلا في العاصمة.

تغير الصلاحيات في حالة الطوارئ :

يتمّ بمقتضى الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ اسناد العديد من  الصلاحيات الإضافية أو الاستثنائية لعدد من مسؤولي الدولة أهمها :

الوالي

تكون للوالي وذلك في المنطقة التي ضبطها في إعلان الطوارئ أو المناطق الترابية التي يجرى العمل بها في داخلها حسب ما تقتضيه ضرورة الأمن أو النظام العام  ما يلي : منع جولان الأشخاص والعربات و منع كل إضراب أو صد عن العمل حتى ولو تقرر قبل الإعلان عن حالة الطوارئ ، إضافة إلى تنظيم إقامة الأشخاص .  كما يمكّن إعلان حالة الطوارئ الوالي من تحجير الإقامة على أي شخص يحاول بأي طريقة كانت عرقلة نشاط السلط العمومية ، ويمكّنه القانون الاستثنائي من اللجوء إلى تسخير الأشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العمومية والنشاطات ذات المصلحة الحيوية بالنسبة للأمة.  ويمكن للوالي إضافة إلى وزير الداخلية تفتيش المحلات بالنهار وبالليل في المناطق الخاضعة لحالة الطوارئ وأن تتخذ فيها كل الإجراءات لضمان مراقبة الصحافة وكل أنواع المنشورات وكذلك البث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية.

وزير الداخلية

يمنح الأمر 50 في فصله 5 لوزير الداخلية أن يضع تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة أي شخص يقيم بإحدى المناطق المنصوص عليها بالفصل الثاني أعلاه يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين بتلك المناطق ، كما يمكن لوزير الداخلية أن يأمر بأن تسلم مقابل وصل الأسلحة والذخائر التي يخضع مسكها لرخصة وأن تودع لدى السلط وبالأماكن المعينة لهذا الغرض. وتتخذ كل الإجراءات حتى ترجع لأصحابها في الحالة التي كانت عليها عند الإيداع.
وقضى الفصل 7 أنه يمكن لوزير الداخلية بالنسبة إلى كامل التراب الذي أعلنت به حالة الطوارئ وللوالي بالنسبة للولاية الأمر بالغلق المؤقت لقاعات العروض ومحلات بيع المشروبات وأماكن الاجتماعات مهما كان نوعها ، كما يمكن تحجير الاجتماعات التي من شأنها الإخلال بالأمن أو التمادي في ذلك.
ويمكن لكل من وزير الداخلية والوالي أن يأمرا بتفتيش المحلات بالنهار وبالليل في المناطق الخاضعة لحالة الطوارئ وأن تتخذ فيها كل الإجراءات لضمان مراقبة الصحافة وكل أنواع المنشورات وكذلك البث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية.

وزارة العدل

يؤكد الأمر 50 في فصله 9 أن "كل مخالفة لأحكام هذا الأمر تعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وبخطية تتراوح بين ستين (60 د) وألفين وخمسمائة دينار (2500 د ) أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط " ويتم حسب بقية الفصول تتبع المخالفات لأحكام هذا الأمر وزجرها طبقا للإجراءات المنصوص عليها بالفصول 33 إلى 35 من مجلة الإجراءات الجزائية أمام محاكم الحق العام الجنائية.
غير أنه يمكن لوزير العدل أن يأذن كتابيا للوكيل العام للجمهورية بأن يثير الدعوة لدى محكمة أمن الدولة طبقا للقانون عدد 17 لسنة 1968 المؤرخ في 2 جويلية 1968 المتعلق بإحداث المحكمة المذكورة.
وتبقى هذه الإجراءات قابلة للتطبيق بعد انتهاء حالة الطوارئ.

الوزراء وكتاب الدولة والسلطة الإدارية

الوزراء وكتاب الدولة مكلفون كل فيما يخصه بتنفيذ هذا الأمر الذي يجري العمل به حالا وينشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.


ويتعين على السلط الإدارية اتخاذ كل الإجراءات لضمان معيشة من خضعوا تحت الإقامة الجبرية في منطقة ترابية أو ببلدة معينة هم وعائلاتهم أو أي شخص يقيم بإحدى المناطق المنصوص عليها بالفصل الثاني يعتبر نشاطه خطيرا على الأمن والنظام العامين بتلك المناطق ، وتقوم السلطة الإدارية بالتنفيذ الوجوبي للتدابير المتخذة بمقتضى هذا الأمر بقطع النظر عن وجود الأحكام الجنائية الواردة به.


يبقى اليوم الحديث في ظل الوضع الراهن عن حالة الطوارئ ومواصلة العمل بها إذ يظهر أنه إجراء وقائي وقرار سيادي في الجمهورية التونسية غير أن بعض الجمعيات والمنظمات الحقوقية الوطنية ترى اعتماد حالة الطوارئ في البلاد ضربا لحرية المواطن التونسي وتقييدا لحرية التنظيم إضافة إلى أنها تعطي لكل من وزير الداخلية والوالي صلاحيات استثنائية وسالبة للحرية في بعضها وأهمها فرض الإقامة الجبرية ومنع حرية التنظم.


حاولنا في هذا المقال التفسيري إلقاء الضوء على موضوع إعلان حالة الطوارئ والتمديد فيها وأهم الصلاحيات القانون مقارنة بالوضع العادي تزامنا مع التمديد الذي صدر بالرائد الرسمي اليوم في الأمر عدد 97 لسنة 2024 مؤرخ في 30 جانفي 2024 والذي يقضي بمواصلة حالة الطوارئ إلى حدود 31 ديسمبر 2024 .