تفسيري

ما هو احتياطي العملة الصعبة؟ وما هو تأثير ارتفاعه وتراجعه على الاستقرار المالي والاقتصادي التونسي؟

تفسيري

ما هو احتياطي العملة الصعبة؟ وما هو تأثير ارتفاعه وتراجعه على الاستقرار المالي والاقتصادي التونسي؟

نشر البنك المركزي التونسي يوم 20 فيفري 2024 آخر تحيين للمؤشرات المالية والنقدية, حيث تراجع احتياطي العملة الصعبة بــ 14 يوم توريد لُيصبح 105 يوم توريد بقيمة 23 مليار دينار، بتاريخ 19 فيفري 2024 بعد أن كان في مستوى 119 يوم توريد وهو ما يعادل 25،9 مليار دينار بتاريخ 16 فيفري 2024.



احتياطي العملة الصعبةهو مؤشر يتم اعتماده في بناء المؤشرات الاقتصادية للبلاد وهو من المواضيع التي  تشغل مساحة كبيرة في برامج وسائل الإعلام التي تحاول تقديم تفسير  لهذا التراجع .
 أردنا من خلال هذا المقال التفسيري التطّرق إلى هذا المؤشر ومعرفة تأثيراته وكيفية احتسابه ، وما هي العوامل التي تسبب ارتفاعه أو  تراجعه؟

الاحتياطي من العملة الصعبة هو مجموعة العملات الأجنبية ( أهمّها الدولار واليورو والجنيه الاسترليني والين الياباني) والذهب والاستثمارات التي يحتفظ بها البنك المركزي لدولة ما كاحتياطي لضمان استقرار العملة الوطنية وتأمين القدرة على الدفع في المعاملات الدولية ومنها خلاص الديون. ويتم استخدام الاحتياطي من العملة الصعبة لتعزيز الثقة في الاقتصاد وتقليل المخاطر المالية، ويمكن أيضا استخدامه لتدبير السياسات النقدية والاقتصادية مثل تثبيت سعر الصرف والتصدي للتقلبات الاقتصادية. يختلف حجم وتركيب الاحتياطي من العملة الصعبة من دولة إلى أخرى ويعتمد على الظروف الاقتصادية والنقدية لكل دولة .


وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي هو المسؤول عن تحديد مستوى الاحتياطي من العملة الصعبة في البلاد إضافة إلى تقديم تقارير دورية حول احتياطيات العملة الصعبة إلى الهيئات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي . ويمكن لمستوى احتياطي العملة الصعبة أن يتغير مع مرور الوقت بناء على العوامل الاقتصادية والسياسية والنقدية.

ويبقى تغير الاحتياطي من العملة الصعبة مرتبطا أساسا بالأوضاع الاقتصادية والسياسية الداخلية وأهمها تأثير الأحداث السياسية والاقتصادية على الناتج المحلي الإجمالي والتجارة الخارجية إضافة إلى التقلبات في أسعار العملات والصرف.  كما أن السياسات النقدية والاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة والبنك المركزي يمكن أن تؤثر على مستويات الاحتياطي.

تأثيرات ارتفاع الاحتياطي

يمكن أن يؤثر ارتفاع الاحتياطي من العملة الصعبة بشكل إيجابي على الاقتصاد على عديد من الجوانب:


ثقة المستثمرين والمتعاملين الدوليين: ارتفاع احتياطي العملة الصعبة يمكن أن يعكس الاستقرار النقدي للدولة ويزيد من ثقة المستثمرين والمتعاملين الدوليين في الاقتصاد، مما يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ويساهم في تعزيز النمو الاقتصادي.


تثبيت العملة الوطنية: ارتفاع احتياطي العملة الصعبة يمكن أن يساهم في تثبيت قيمة العملة الوطنية، حيث يمكن للبنك المركزي استخدام هذه الاحتياطيات لتعزيز سياساته النقدية وتثبيت سعر الصرف.


تحسين الموازنة الخارجية
: بزيادة احتياطي العملة الصعبة، يمكن للدولة تحسين موازنتها الخارجية وتقليل اعتمادها على القروض الخارجية، مما يقلل من المخاطر المالية و يعزز استقلالية الاقتصاد.


الاستجابة للأزمات الاقتصادية: يمكن استخدام الاحتياطي من العملة الصعبة لمواجهة الأزمات الاقتصادية مثل الانخفاضات الحادة في أسعار النفط أو الصادرات، حيث يمكن استخدامه لتغطية نقص التمويل الخارجي ودعم الاقتصاد خلال فترات الضغط الاقتصادي.


ويعتبر ارتفاع الاحتياطي من العملة الصعبة إشارة إيجابية على صحة واستقرار الاقتصاد، ويمكن أن يساهم في تعزيز النمو والاستقرار الاقتصادي للدولة.

تأثيرات انخفاض الاحتياطي

من ناحية أخرى يمكن أن يؤثر تراجع احتياطي العملة الصعبة وأيام التوريد إلى عدد من التأثيرات السلبية على الاقتصاد والسياسات النقدية المعتمدة في البلاد:
تقليل القدرة على التحكم في سعر الصرف: زيادة الضغط على العملة المحلية وتراجع قيمتها مقابل العملات الأجنبية. وبما أن القدرة على التحكم في سعر الصرف تصبح مقيدة، فقد يؤدي هذا التحرك إلى تضخم أسعار السلع المستوردة وزيادة في التضخم العام.


تقليل الثقة في الاقتصاد: خسارة الثقة في الاقتصاد المحلي من قبل المستثمرين والمتعاملين في السوق المالية. فقد يراودهم الشك بشأن قدرة البلاد على تلبية التزاماتها المالية والاقتصادية.


ارتفاع تكلفة الاقتراض: عادةً ما يكون للمستوى العالي من الاحتياطي من العملة الصعبة دور مهم في تقليل تكلفة الاقتراض الخارجي. ومع انخفاض الاحتياطي، يمكن أن ترتفع تكلفة الاقتراض للحكومة والشركات، مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي والاستثمار.


زيادة في الضغوط على الاحتياطي الخارجي: قد يضطر البنك المركزي إلى استخدام جزء من الاحتياطي الخارجي المتبقي لتلبية احتياجات العملة الأجنبية المتزايدة، مما يزيد من الضغوط على هذا الاحتياطي ويقلل من الاستقلالية المالية للبلاد.


التأثير على التجارة الخارجية: يمكن أن يؤدي انخفاض الاحتياطي من العملة الصعبة إلى تقليل قدرة البلاد على تمويل وارداتها بكفاءة، مما يؤثر على حجم التجارة الخارجية والنمو الاقتصادي بشكل عام.


بشكل عام، فإن انخفاض الاحتياطي من العملة الصعبة يمكن أن يؤدي إلى تدهور الاقتصاد وزيادة الضغوط المالية على البلاد، ولذلك فإنه يعتبر تحديًا خطيرا يتطلب إدارة واعية وتدابير اقتصادية ملائمة لتجنب الآثار السلبية.

التراجع الحالي وأسبابه

قامت منصة تونس تتحرى بالاتصال بمسؤول بالبنك المركزي , الذي أكد لنا أن سبب هذا  التراجع هو  سداد قرض رقاعي بقيمة 850 مليون دينار وهو  ما يعادل 14 يوم توريد من احتياطي الجمهورية التونسية من العملة الصعبة تم طرحه في 17 فيفري 2017.


وبالاتصال بالخبير الاقتصادي والبنكي ومدير عام السياسات النقدية الأسبق بالبنك المركزي التونسي محمد صالح سويلم , أكد لنا أن هذا التراجع في احتياطي العملة الصعبة يعود إلى سداد قرض رقاعي بقيمة 850 مليون يورو وهو ما يعادل 3 مليار دينار تم طرحه في 17 فيفري 2017 والذي تم سداده من الاحتياطي بما يعادل 14 يوم من التوريد.


وأضاف سويلم أن تونس قامت في هذا الإطار بسداد دين خارجي تم توزيعه على عدد من المستثمرين الذين اكتتبوا في الإصدار سنة 2017  ، وأن عملية ارتفاع وانخفاض الاحتياطي أمر عادي باعتبار المداخيل والمدفوعات غير أن المهم ليس التركيز على تراجع حجم الاحتياطي بل على انخفاض مستوى الدين الخارجي الذي يقدر بـ 3.2 مليار دينار والدين العمومي المُقدرب 3.2 مليار دينارو  أن تونس تمكنت من سداد هذا الدين الذي يعتبر من أكبر السندات التي أصدرتها تونس على السوق المالية العالمية باليورو.


وأشار محمد صالح سويلم من ناحية اخرى , إلى أن معدل الاحتياطي في تونس منذ الستينات إلى الآن كان في مستوى 88 أو 90 يوم توريد ولكن هناك فترات عرفت فيها تونس مستويات عليا منها سبتمبر 2009 الذي بلغ فيه الاحتياطي أكثر من 190 يوم توريد مقابل أقل مستوى والذي كان في جوان 1986 بتسجيل -5 أيام توريد . كما أعلمنا سويلم أن تونس قادرة على عيش أشهر دون احتياطي ولكن من المهم استغلال كل الموارد من العملة الأجنبية في الاقتصاد التونسي المتنوع (فلاحة صناعات ميكانيكية وكهربائية قطاع التمور وزيت الزيتون) وضرورة مواصلة الاقتصاد لإنتاجه وقدرته التصديرية مع استغلال كل الإمكانيات المتاحة بما في ذلك القروض حسب قوله.


ومن ناحية أخرى اتصلت منصة تونس تتحرى بالخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي الذي أكد لنا أن الاحتياطي من العملة الصعبة مرتبط بعدد من العوامل منها تحديد مداخيل العملة الصعبة ومدفوعاتها إضافة إلى الميزان التجاري وميزان الدفوعات وتحويلات التونسيين بالخارج ومداخيل السياحة. وأضاف أن الفترة الحالية قد تشهد ارتفاعا بسيطا بإعتبار أنها فترة دخول عائدات تصدير زيت الزيتون وأن الاحتياطي يرتفع بناء على مدخولات العملة الصعبة وينخفض بناء على الدفوعات غير أن حساب المؤشر يوميا لا يعطي صورة واضحة ووجب اعتماد حساب سنوي.


وعن الانخفاض الحالي قال الجويلي إن القرض الرقاعي لسنة 2017 الذي حان وقت سداده كان بالعملة الصعبة وتم خلاصه من الاحتياطي ، وأشار إلى تونس وصلت في الثمانينات إلى مستوى 3 أيام توريد غير أن المعايير الدولية تؤكد على عدم الانخفاض تحت مستوى 90 يوم توريد.


ومن ناحية أخرى أرجع الخبير الاقتصادي، معز حديدان، في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء "وات" هذا التراجع إلى سداد تونس يوم 17 فيفري 2024، سندات أوروبية بقيمة 850 مليون يورو يضاف إليها نسب فائدة بقيمة 47،8 مليون يورو وهو ما يمثل في الجملة 898 مليون يورو (ما يعادل 3 مليار دينار).


بعد الوقوف على أهم أسباب التراجع الأخير في الاحتياطي من العملة الصعبة بـ 14 يوم توريد في ظرف أيام حاولت منصة تونس تتحرى في هذا المقال التفسيري الوقوف على المصطلح الاقتصادي المتداول في تونس "الاحتياطي من العملة الصعبة وما يعادلها من يوم توريد" بالخوض في فهمه ومدى تأثيره على السياسات النقدية والاقتصادية في تونس وتوضيحه أكثر للمتابعين والقراء.