تفسيري

نادرا ما استخدم.. التسخير متى يطبق؟ وهل يتعارض مع الحق في الإضراب؟

تفسيري

نادرا ما استخدم.. التسخير متى يطبق؟ وهل يتعارض مع الحق في الإضراب؟

قام والي تونس يوم 12 جانفي 2022 بإصدار تسخير لمواصلة العمل في مؤسسة التلفزة التونسية ومواصلة بث النشرات الإخبارية، بعد دخول التقنيين في إضراب، عبر اعتماد تسخير بعض الأعوان العاملين في المؤسسة. وبذلك يكون  عليهم الالتحاق ووضع أنفسهم على ذمة المصالح المعنية وأن يلتحقوا بمراكز عملهم العادية للقيام بالأعمال التي تُطلب منهم، قرار ولّد سخطا كبيرا من قبل التقنيين الذين رفضوه، فما هو التسخير؟ ، وماهي الدواعي لاستعماله؟  وماهي آليات تطبيقه وتنفيذه؟  وهل أن التسخير ضرب للعمل النقابي والحق في الإضراب؟
يسمح  قانون الشغل التونسي للسلطة المحلية أو المركزية اللجوء إلى التسخير، الذي بموجبه يتم انتقاء مجموعة من العمال لمواصلة تأدية الخدمات العاجلة خلال المدة المقررة للإضراب.

وتم في القانون التونسي سن عدد من الفصول للتمكن من إجراء التسخير على غرار قانون الطوارئ لسنة 1978  الفصل (4) ومجلة الشغل ( الفصل 389 ) والمجلة الجنائية ( الفصل 107 ).


إجراء نادر الاستخدام


وينظم الفصل 389 جديد من مجلة الشغل إجراء التسخير حيث يمكن تسخير المؤسسة أو عملتها بمقتضى أمر، إذا تقرر إضراب أو صد عن العمل وشرع فيه وكان من شأنه أن يخل بالسير العادي لمصلحة أساسية، ويقع تبليغ التسخير للمعنيين بالأمر بصفة فردية إلى آخر مقر للسكنى مسجل لدى المؤسسة وذلك عن طريق أعوان الضابطة العدلية، وإذا شمل التسخير مؤسسة أو كافة أعوان مؤسسة، فإن التبليغ يمكن أن يتم عن طريق التعليق بالمؤسسة المعنية أو عن طريق وسائل الإعلام .


و ينصّ الفصل 4 من قانون الطوارئ الصادر في 26 جانفي 1978 على أنه "يمكن اللجوء إلى تسخير الأشخاص والمكاسب الضرورية لحسن سير المصالح العمومية والنشاطات ذات المصلحة الحيوية بالنسبة للأمة" وينصّ الفصل 107 من المجلة الجنائية على أنه "يصدر أمر التسخير قبل يوم أو يومين من موعد الإضراب المعلن عنه وتقع الدعوة إلى العمل به حالا".


ويتمثل التسخير عادة في وضع الأعوان المسخرين لأنفسهم فورا على ذمة الشركة أو المؤسسة العاملين بها، وأن يلتحقوا بمراكز عملهم العادية للقيام بالأعمال التي تُطلب منهم ومواصلة تقديم الخدمات الضرورية.


 ونص قانون الشغل في فصله 390 على العقوبات التي تكون لاحقة لعدم امتثال الأشخاص الذين تم تسخيرهم، وأكد الفصل على أن كل من لم يمتثل لإجراءات التسخير يُعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين شهر وعام وبخطية تتراوح بين 100 و500 دينار أو بإحدى العقوبتين، وفي صورة العود تُضاعف هاتان العقوبتان.


ويُسمح أساسا لرئيس الحكومة باتخاذ هذا القرار، ويتم تناقل هذه الصلاحيات إلى عدد من المسؤولين المركزيين أو المحليين، ويُعتبر الوالي من الأشخاص المسموح لهم باتخاذ هذا القرار مع تكليف عدد من السلط بتطبيق هذا القرار والعمل على تنفيذه ويقوم الوالي بتسمية الأطراف التي ترجع لها المؤسسة بالنظر والفرق الأمنية وكذلك المعتمدون، كل فيما يخصه بتنفيذ هذا القرار.


وقد قامت الجمهورية التونسية باعتماد التسخير في عدد من المناسبات، وتجدر الإشارة  إلى أن أهم إجراء تسخير تمّ اعتماده في تونس كان خلال أحداث 26 جانفي 1978 عندما أمر الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الجيش التونسي بسياقة الحافلات وتأمين خدمات النقل للتونسيين.

واعلنت رئاسة الحكومة في بلاغ لها بتاريخ 18 جويلية 2021 انه تبعا لاجتماع خلية الازمة المنعقد بمقر وزارة الصحة أذن رئيس الحكومة هشام مشيشي لكل من ولاة سوسة، ومدنين، والمنستير، والقيروان، ونابل، وصفاقس، وأريانة، وبن عروس، وتونس، بتسخير كافة المؤسسات الصحية الخاصة قصد إيواء عدد من المرضى بفيروس كورونا والمقيمين بالمستشفيات العمومية والتي تعرف نقصا حادا في مادة الاكسيجين، وسيتواصل العمل بهذا الإجراء الى حين العودة إلى نسق التزود الطبيعي بهذه المادة.

وتجدر الإشارة إلى أن رئاسة الحكومة، قد لجأت يوم الخميس 17 جانفي 2019، إلى آلية التسخير على خلفية الإضراب العام في قطاعي الوظيفة العمومية والقطاع العام طبقا للتراتيب الجاري بها العمل وللفصل 389 من مجلة الشغل ، وقد صدر بالرائد الرسمي للجمهورية، أمر حكومي عدد 38 لسنة 2019، يتعلق بتسخير بعض الأعوان التابعين لبعض الوزارات والمؤسسات والمنشآت العمومية، تزامنا مع تنفيذ الإضراب العام يوم الخميس 17 جانفي 2019.

وقد أعلنت وزارة النقل أنه وقع تسخير بعض ضباط الشركة التونسية للملاحة للعمل من يوم الثلاثاء 02 جوان  الى غاية 7 جوان 2015 وذلك بمقتضى الأمر الحكومي المورخ في 1 جوان 2015 ودعت الوزارة في بلاغ كافة الضباط المسخرين الى الالتحاق بعملهم  فورا مذكرة أن عدم الامتثال لأمر التسخير يعرضهم للعقوبات المنصوص عليها بمجلة الشغل ،  وياتي هذا القرار على اثر الاضراب الذى قرره ضباط الشركة التونسية للملاحة التابعين لاتحاد عمال تونس والذي انجر عنه تعطيل مصالح المواطنين والمسافرين فضلا عن الخسائر المالية للشركة والمقدرة بحوالي 700 الف دينار للسفرة الواحدة وفق ذات البلاغ .


وأفادت وزارة النقل في بلاغ لها بتاريخ 2 سبتمبر 2018، بأنه تمّ إصدار أمر تسخير بعد تعثر المفاوضات مع المضربين بالشركة التونسية للملاحة رغم الجلسة الصلحية المنعقدة بحضور ممثلين عن جميع الأطراف المعنية للنظر في الطلبات الواردة ببرقية الإضراب الصادرة عن الاتحاد الجهوي للشغل بتونس والتي تضمنت لائحة مطالب رفعتها نقابة أعوان وإطارات القيادة بالشركة التونسية للملاحة، وبالرغم من المساعي التي تم القيام بها من قبل الطرف الاداري للتوصل إلى صيغة توافقية بخصوص الطلبات المقدمة، إلا أن الطرف النقابي تمسك بالاضراب.

التسخير في مواجهة الحق في الإضراب


يعاني قرار التسخير في تطبيقه بعض العقبات، ومنها المس من الحق النقابي والحق في الإضراب بالنسبة إلى الموظفين والعملة المطالبين بتسوية الوضعيات الشغلية والمهنية من وجهة نظر المنظمة الشغيلة، وقد شهدت البلاد التونسية منذ الثورة إلى اليوم موجة من الاحتجاجات سواء المادية أو المعنوية أو المهنية والقطاعية، فإلى أي مدى يمكن لقرار التسخير ضرب الحق النقابي والحق في الإضراب؟
تجدر الإشارة إلى أن الدستور التونسي السابق قد نص في فصله 36 على ضمان الحق النقابي، بما في ذلك حق الإضراب: "الحق النقابي بما في ذلك الحق في الإضراب مضمون، ولا ينطبق هذا الحق على الجيش الوطني، ولا يشمل حق الإضراب قوات الأمن الداخلي والديوانة"، ليكون بذلك العمل النقابي والحق في الإضراب مكفولان دستوريا.
وعن التسخير قالت أستاذة القانون الدستوري منى كريم أنه في الوضعية العادية يكون لرئيس الحكومة صلاحية التسخير، وذلك عبر أمر حكومي، ولكن في الوضعية الحالية انتقلت صلاحيات رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية. كما أن حالة الطوارئ تسمح بتوسيع صلاحيات الوالي ووزير الداخلية ما يسمح لهما باعتماد التسخير وتطبيقه، وأضافت منى كريم أن الحد من الحريات لا يكون بطريقة تُفرغ الحريات من مضمونها ومحتواها، لذلك فإن تطبيق التسخير لا يجب أن يمس من الحق النقابي وحق الإضراب ومواصلة السير العادي للعمل بالمرافق العمومية وهو ما يُطرح عند كل مرة يتم القيام فيها بتسخير، وقالت إنه من الضروري الموازنة بين واجب استمرارية المرفق العام وحرية الإضراب والأهم هو التوفيق بين الحريتين حسب قولها.
ومن جهة أخرى اتصلت "منصة تونس تتحرى" بالناطق الرسمي للإتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري الذي قال إن "التسخير يعود إلى الأمر عدد 50 المؤرخ في 26 جانفي 1978 والمتعلق بحالة الطوارئ والذي تم تطبيقه يوم الإضراب العام في 26 جانفي 1978 بهدف ضرب الإضراب العام وإيجاد الإطار القانوني للزج بالنقابيين في السجون وطردهم من العمل بسبب تحريضهم على الإضراب، وبقي التسخير بعد انتهاء أزمة 1978 مجمدا ولم يتم اللجوء إليه إلا نادرا وأهم الاستخدامات كانت بعد الثورة في حكومات يوسف الشاهد وهشام المشيشي ونجلاء بودن".


وأضاف الطاهري أن "التسخير لا يتلاءم مع قانون الشغل الذي يضمن حق الاضراب والمفروض أن تحل النزاعات الشغلية بالتفاوض والمصالحة وليس بالتشديد ، وأضاف الطاهري أن التسخير غير دستوري باعتباره يتناقض مع الفصل 36 من الدستور، والادعاء بأن التسخير ضروري للحفاظ على مصالح المواطنين غير صائب، لأن المعايير الدولية تؤكد أنه لا يمكن وقف أو منع إضراب أو جزء منه إلا إذا كان يهدد حياة الناس، وهناك بعض الإضرابات في تونس لا تهدد حياة الناس على غرار إضرابات البريد على سبيل المثال.

ومن جهة أخرى، قال الطاهري إن هناك إضرابات تدخل في الإطار المباشر مع حياة الناس من ذلك الإضرابات في قطاع الصحة وبعض القطاعات الحيوية، لذلك فإن النقابات تستثني في تراتيب الإضراب أقسام الاستعجالي وقاعات الإنعاش وحالات التدخل في الحالات الطارئة والصعبة وهو ما يتم اعتماده، إضافة إلى استثناء بعض المصالح ومنها التدخلات السريعة في الكهرباء والغاز واستهلاك الماء لأنها تمس من حياة الناس وأمنهم ، واعتبر الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري أن التساخير هدفها ضرب العمل النقابي وعرقلته وإرهاب العاملين لمنعهم من ممارسة حق دستوري".


تعتبر آلية التسخير مدخلا قانونيا تعتمده الدولة للمحافظة على السير العادي للمرافق العمومية والمحافظة على تقديم الخدمات الأساسية في المؤسسات الخدماتية وقت الإضراب أو توقف سير العمل، غير أن هذه الآلية عادة ما تصطدم بتمسك المنظمة الشغيلة بحقها في الإضراب وفي الدفاع عن منظوريها بل ترى أن تطبيقه مخالف للدستور.